الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وعزر ) الشاتم ( بيا كافر ) وهل يكفر إن اعتقد المسلم كافرا ؟ نعم وإلا لا به يفتى شرح وهبانية ، ولو أجابه لبيك كفر خلاصة . وفي التتارخانية ، قيل لا يعزر ما لم يقل يا كافر بالله لأنه كافر بالطاغوت فيكون محتملا ( يا خبيث يا سارق يا فاجر يا مخنث يا خائن ) يا سفيه يا بليد يا أحمق يا مباحي يا عواني ( يا لوطي ) وقيل يسأل ، فإن عنى أنه من قوم لوط عليه الصلاة والسلام لا يعزر ، وإن أراد به أنه يعمل عملهم عزر عنده وحد عندهما والصحيح تعزيره لو في غضب أو هزل فتح ( يا زنديق ) يا منافق يا رافضي . [ ص: 70 ] يا مبتدعي يا يهودي يا نصراني يا ابن النصراني نهر ( يا لص إلا أن يكون لصا ) لصدق القائل كما مر ، والنداء ليس بقيد ، إذ الإخبار كأنت أو فلان فاسق ونحوه كذلك ما لم يخرج مخرج الدعوى قنية ( يا ديوث ) هو من لا يغار على امرأته أو محرمه ( يا قرطبان ) مرادف ديوث بمعنى معرص ( يا شارب الخمر ، يا آكل الربا ، يا ابن القحبة ) فيه إيماء إلى أنه إذا شتم أصله عزر بطلب الولد كيا ابن الفاسق يا ابن الكافر ، وأنه يعزر بقوله يا قحبة . لا يقال : القحبة عرفا أفحش من الزانية لكونها تجاهر به بالأجرة . لأنا نقول : لذلك المعنى لم يحد ، فإن [ ص: 71 ] الزنا بالأجرة يسقط الحد عنده خلافا لهما ابن كمال ، لكن صرح في المضمرات بوجوب الحد فيه قال المصنف وهو ظاهر ( يا ابن الفاجرة ، أنت مأوى اللصوص ، أنت مأوى الزواني ، يا من يلعب بالصبيان ، يا حرام زاده ) معناه المتولد من الوطء الحرام فيعم حالة الحيض . لا يقال : في العرف لا يراد ذلك بل يراد ولد الزنا . لأنا نقول : كثيرا ما يراد به الخداع اللئيم فلذا لا يحد

التالي السابق


( قوله بيا كافر ) لم يقيد بكون المشتوم بذلك مسلما لما يذكره بعد ( قوله إن اعتقد المسلم كافرا نعم ) أي يكفر إن اعتقده كافرا لا بسبب مكفر . قال في النهر : وفي الذخيرة المختار للفتوى أنه إن أراد الشتم ولا يعتقده كفرا لا يكفر وإن اعتقده كفرا فخاطبه بهذا بناء على اعتقاده أنه كافر يكفر ; لأنه لما اعتقد المسلم كافرا فقد اعتقد دين الإسلام كفرا . ا هـ . ( قوله كفر ) أي ; لأن إجابته إقرار بأنه كافر فيؤاخذ به لرضاه بالكفر ظاهرا إلا إذا كان مكرها . وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان متأولا بأنه كافر بالطاغوت مثلا فلا يكفر ( قوله فيكون محتملا ) قال في الشرنبلالية ويرجع خلافه حالة السب ، فلذا أطلقه في الهداية وغيرها ( قوله يا فاجر ) يستعمل في عرف الشرع بمعنى الكافر والزاني ، وفي عرفنا اليوم بمعنى كثير الخصام والمنازعة . قال في البحر : وأفاد بعطفه يا فاجر على يا فاسق التغاير بينهما ، ولذا قال في القنية : لو أقام مدعي الشتم شاهدين شهد أحدهما أنه قال له يا فاسق والآخر على أنه قال له يا فاجر لا تقبل هذه الشهادة . ا هـ . ( قوله يا مخنث ) بفتح النون ، أما بكسرها فمرادف للوطي نهر وقيل المخنث من يؤتى كالمرأة وعليه اقتصر في الدر المنتقى . ونقل بعض المحشين عن الإشارات أن كسر النون أفصح والفتح أشهر ، وهو من خلقه خلق النساء في حركاته وسكناته وهيئاته وكلامه . فإن كان خلقة فلا ذم فيه ، ومن يتكلفه فهو المذموم

( قوله يا خائن ) هو الذي يخون فيما في يده من الأمانات أبو السعود عن الحموي ( قوله يا سفيه ) هو المبذر المسرف وفي عرفنا اليوم بمعنى بذيء اللسان ( قوله يا بليد ) إنما يعزر ; لأنه يستعمل بمعنى الخبيث الفاجر نهر عن السراج . قلت : وهو في العرف اليوم بمعنى قليل الفهم فينبغي أن لا يعزر به . ثم رأيت في الفتح قال : وأنا أظن أنه يشبه يا أبله ولم يعزروا به ( قوله يا أحمق ) بمعنى ناقص العقل سيئ الأخلاق ( قوله يا مباحي ) هو من يعتقد أن الأشياء كلها مباحة ( قوله يا عواني ) هو الساعي إلى الحاكم بالناس ظلما ( قوله أو هزل ) عبارة الفتح قلت : أو هزل من تعود بالهزل بالقبيح . ا هـ . ( قوله يا زنديق يا منافق ) الأول هو من لا يتدين بدين ، والثاني هو من يبطن الكفر ويظهر الإسلام كما سيذكره في الردة عن الفتح ( قوله يا رافضي ) قال في البحر : ولا يخفى أن قوله يا رافضي [ ص: 70 ] بمنزلة يا كافر أو يا مبتدع فيعزر ; لأن الرافضي كافر إن كان يسب الشيخين مبتدع إن فضل عليا عليهما من غير سب كما في الخلاصة . ا هـ .

قلت : وفي كفر الرافضي بمجرد السب كلام سنذكره إن شاء الله تعالى في باب المرتد ، نعم لو كان يقذف السيدة عائشة رضي الله عنها فلا شك في كفره ( قوله يا مبتدعي ) أهل البدعة : كل من قال قولا خالف فيه اعتقاد أهل السنة والجماعة ( قوله يا لص ) بكسر اللام وتضم در منتقى ( قوله إلا أن يكون لصا ) الأولى أن يقول إلا أن يكون كذلك لئلا يوهم اختصاصه باللص إذ لا فرق بين الكل كما بحثه في اليعقوبية وقال إنه لا تصريح به . ا هـ . قلت : ويدل له قوله في الفتح : وقيد الناطفي بما إذا قاله لرجل صالح ، أما لو قال لفاسق أو للص يا لص أو لفاجر يا فاجر لا شيء عليه والتعليل يفيد ذلك ، وهو قولنا إنه آذاه بما ألحق به من الشين ; فإن ذلك إنما يكون فيمن لم يعلم اتصافه بهذه ; أما من علم فإن الشين قد ألحقه بنفسه قبل قول القائل ا هـ كلام الفتح .

قلت : ويظهر من هذا وكذا من قول المصنف السابق إلا أن يكون معلوم الفسق أن المراد المجاهر المشتهر بذلك فلا يعزر شاتمه بذلك كما لو اغتابه فيه بخلاف غيره ; لأن فيه إيذاءه بما لم يعلم اتصافه به ، وتقدم أنه يعزر بالغيبة وهي لا تكون إلا بوصفه بما فيه وإلا كانت بهتانا ، فإذا عزر بوصفه بما فيه مما لم يتجاهر به ففي شتمه به في وجهه بالأولى ; لأنه أشد في الإيذاء والإهانة هذا ما ظهر لي فتأمله ( قوله كما مر ) أي عند قوله يا فاسق ( قوله ما لم يخرج مخرج الدعوى ) قيد للزوم التعزير بالإخبار عن هذه الأوصاف يعني أنه إذا ادعى عند الحاكم أن فلانا فعل كذا مما هو من حقوق الله تعالى فإن المدعي لا يعزر إذا لم يكن على وجه السب والانتقاص ، بل يعزر المدعى عليه لما سيذكره الشارح عن كفالة النهر أن كل تعزير لله تعالى يكفي فيه خبر العدل ، وكذا لو ادعى عليه سرقة أو ما يوجب كفرا وعجز عن إثباته ، بخلاف دعوى الزنا كما يأتي ، والفرق وجود النص على حده للقذف إذا لم يأت بأربعة من الشهداء ( قوله يا ديوث ) بتثليث الدال ط ، ومثله القواد في عرف مصر والشام فتح .

( قوله يا قرطبان ) معرب قلتبان درر ، ومثله يا كشخان وهو الحق ، خلافا لما في الكنز من أنه لا تعزير فيه كما في الفتح ، وهو بالخاء المعجمة كما في القاموس خلافا لما في البحر والنهر من أنه بالمهملة ( قوله مرادف ديوث ) قال الزيلعي : هو الذي يرى مع امرأته أو محرمه رجلا فيدعه خاليا بها . وقيل هو المتسبب للجمع بين اثنين لمعنى غير ممدوح ، وقيل هو الذي يبعث امرأته مع غلام بالغ ، أو مع مزارعه إلى الضيعة ، أو يأذن لهما بالدخول عليها في غيبته ( قوله بمعنى معرص ) في بعض النسخ معرس بالسين . قال في النهر بعدما مر عن الزيلعي : وعلى كل تقدير فهو المعني بالمعرس بكسر الراء والسين المهملة ، والعوام يلحنون فيه فيفتحون الراء ويأتون بالصاد قاله العيني ( قوله عزر بطلب الولد ) ; لأنه هو المقصود بالشتم والظاهر أن له الطلب وإن كان أصله حيا ، بخلاف قوله يا ابن الزانية وأنه يعزر أيضا بطلب الأصل تأمل ( قوله وأنه يعزر إلخ ) عطف على قوله إنه إذا شتم : أي أن في كلام المصنف إيماء أيضا إلى أن موجبه التعزير لا الحد ( قوله لا يقال إلخ ) حاصله أنه كان ينبغي أن يوجب الحد لا التعزير [ ص: 71 ] قوله يسقط الحد ) أي حد الزنا لشبهة العقد ، فلم يكن قاذفا بالزنا الخالي عن الملك وشبهته ، فلا يحد القاذف أيضا لكنه يعزر .

وكتب ابن كمال بهامش شرحه هنا أن النسبة إلى فعل لا يجب الحد بذلك الفعل لا يوجب الحد ا هـ فافهم ( قوله وهو ظاهر ) لعل وجهه أنه صار حقيقة عرفية بمعنى الزانية فهو قذف بصريح الزنا ولأن القحبة لا تلتزم عقد الإجارة الذي هو علة سقوط الحد عند الإمام ( قوله يا من يلعب بالصبيان ) أي معهم نهر . والظاهر أن المراد به في العرف من يفعل معهم القبيح بقرينة الشتم والغضب ( قوله فيعم حالة الحيض ) أي فلم يكن قذفا بصريح الزنا ، فلا يوجب الحد بل التعزير




الخدمات العلمية