الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الرابع عشر : تسمية الشيء بما يؤول إليه . كقوله - تعالى - : ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ( نوح : 27 ) أي صائرا إلى الفجور والكفر . وقوله : إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا ( يوسف : 36 ) أي لأن الذي تأكل الطير منه إنما هو البر لا الخبز ، ولم يذكر العلماء هذا من جملة الأمثلة ؛ إنما اقتصروا في التمثيل على قوله : أعصر خمرا ( يوسف : 36 ) أي عنبا ، فعبر عنه لأنه آيل إلى الخمرية ، وقيل : لا مجاز فيه ، فإن الخمر العنب بعينه ، لغة لأزد عمان ، نقله الفارسي في التذكرة عن غريب القرآن لابن دريد .

وقيل : اكتفى بالمسبب ، الذي هو الخمر ، عن السبب ، الذي هو العنب ، قاله ابن جني في الخصائص .

وقيل : لا مجاز في الاسم بل في الفعل ، وهو ( أعصر ) فإنه أطلق وأريد به " استخرج " ، وإليه ذهب ابن عزيز في " غريبه " .

وقوله : حتى تنكح زوجا غيره ( البقرة : 230 ) سماه زوجا لأن العقد [ ص: 395 ] يؤول إلى زوجية لأنها لا تنكح في حال كونه زوجا . وقوله : فبشرناه بغلام حليم ( الصافات : 101 ) ، وبشروه بغلام عليم ( الذاريات : 28 ) وصفه في حال البشارة بما يؤول إليه من العلم والحلم .

تنبيه : ليس هذا من الحال المقدرة - كما يتبادر إلى الذهن - لأن الذي يقترن بالفاعل ، أو المفعول ، إنما هو تقدير ذلك وإرادته ، فيكون المعنى في قوله : فتبسم ضاحكا ( النمل : 19 ) مقدرا ضحكه . وكذا قوله : وخروا له سجدا ( يوسف : 100 ) على قول أبي علي ، وعلى هذا حمل منه للخرور على ابتدائه ، وإن حمله على انتهائه كانت الحال الملفوظ بها ناجزة غير مقدرة .

وكذلك قوله : فادخلوها خالدين ( الزمر : 73 ) أي ادخلوها مقدرين الخلود فيها ، فإن من دخل مدخلا كريما مقدرا ألا يخرج منه أبدا كان ذلك أتم لسروره ونعيمه ، ولو توهم انقطاعه لتنغص عليه النعيم الناجز مما يتوهمه من الانقطاع اللاحق .

التالي السابق


الخدمات العلمية