الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ابتلاع الريق لا يفطر بشروط .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يتمحض الريق ، فلو اختلط بغيره وتغير به ، أفطر بابتلاعه ، سواء كان الغير طاهرا ، كمن فتل خيطا مصبوغا تغير به ريقه ، أو نجسا كمن دميت لثته وتغير ريقه ، فلو ذهب الدم ، وابيض الريق ، ولم يبق تغير ، هل يفطر بابتلاعه ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما عند الأكثرين : يفطر ، لأنه نجس لا يجوز ابتلاعه . وعلى هذا ، لو تناول بالليل شيئا نجسا ، ولم يغسل فمه حتى أصبح ، فابتلع الريق ، أفطر .

                                                                                                                                                                        الشرط الثاني : أن يبتلعه من معدته ، فلو خرج عن فيه ثم رده بلسانه أو بغيره وابتلعه ، أفطر .

                                                                                                                                                                        ولو أخرج لسانه وعليه الريق ، ثم رده وابتلع ما عليه ، لم يفطر على [ ص: 360 ] الأصح .

                                                                                                                                                                        ولو بل الخياط الخيط بالريق ، ثم رده إلى فيه على ما يعتاد عند الفتل ، فإن لم يكن عليه رطوبة تنفصل ، فلا بأس ، وإن كانت وابتلعها ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        قال الشيخ أبو محمد : لا يفطر ، كما لا يفطر بالباقي من ماء المضمضة . وقال الجمهور : يفطر ، لأنه لا ضرورة إليه ، وقد ابتلعه بعد مفارقته معدته .

                                                                                                                                                                        وخص صاحب " التتمة " الوجهين بما إذا كان جاهلا تحريم ذلك ، قال : فإن كان عالما ، أفطر بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        الشرط الثالث : أن يبتلعه على هيئته المعتادة ، فإن جمعه ثم ابتلعه ، فوجهان . أصحهما : لا يفطر .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        النخامة إن لم تحصل في حد الظاهر من الفم ، فلا تضر ، وإن حصلت فيه بانصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم ، نظر ، إن لم يقدر على صرفها ومجها حتى نزلت إلى الجوف . لم تضر ، وإن ردها إلى فضاء الفم ، أو ارتدت إليه ثم ابتلعها ، أفطر .

                                                                                                                                                                        وإن قدر على قطعها من مجراها ، فتركها حتى جرت بنفسها ، فوجهان حكاهما الإمام ، أوفقهما لكلام الأئمة : أنه يفطر لتقصيره .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا تمضمض فسبق الماء إلى جوفه ، أو استنشق فسبق إلى دماغه ، فالمذهب : أنه إن بالغ فيهما ، أفطر ، وإلا ، فلا . وقيل : يفطر مطلقا ، وقيل : عكسه .

                                                                                                                                                                        هذا إذا كان ذاكرا للصوم ، فإن كان ناسيا ، لم يفطر بحال . وسبق الماء عند غسل الفم لنجاسة ، كسبقه في المضمضة ، والمبالغة هنا للحاجة ينبغي أن تكون [ ص: 361 ] كالمضمضة بلا مبالغة . ولو سبق الماء عند غسل تبرد ، أو من المضمضة في المرة الرابعة قال في " التهذيب " : إن بالغ أفطر ، وإلا فهو مرتب على المضمضة ، وأولى بالإفطار ، لأنه غير مأمور به .

                                                                                                                                                                        قلت : المختار في المرة الرابعة ، الجزم بالإفطار كالمبالغة ، لأنها منهي عنها . ولو جعل الماء في فمه لا لغرض ، فسبق ، فقيل : يفطر . وقيل بالقولين .

                                                                                                                                                                        ولو أصبح ولم ينو صوما ، فتمضمض ولم يبالغ ، فسبق الماء إلى جوفه ثم نوى صوم تطوع ، صح على الأصح .

                                                                                                                                                                        قال القاضي حسين في " فتاويه " : إن قلنا : هذا السبق لا يفطر ، صح ، وإلا ، فلا . قال : والأصح : الصحة في الموضعين . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية