الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم

الظاهر أن المعني بالذين كفروا هنا الذين كفروا المذكورون في أول هذه السورة وفيما بعد من الآيات التي جرى فيها ذكر الكافرين ، أي الكفار الصرحاء عاد الكلام إليهم بعد الفراغ من ذكر المنافقين الذين يخفون الكفر ، عودا على بدء لتهوين حالهم في نفوس المسلمين ، فبعد أن أخبر الله أنه أضل أعمالهم وأنهم اتبعوا الباطل وأمر بضرب رقابهم وأن التعس لهم وحقرهم بأنهم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ، وأن الله أهلك قرى هي أشد منهم قوة ، ثم جرى ذكر المنافقين ، بعد ذلك ثني عنان الكلام إلى الذين كفروا أيضا ليعرف الله المسلمين بأنهم في هذه المآزق التي بينهم وبين المشركين لا يلحقهم منهم أدنى ضر ، وليزيد وصف الذين كفروا بأنهم شاقوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

فالجملة استئناف ابتدائي وهي توطئة لقوله فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم . وفعل " شاقوا " مشتق من كلمة شق بكسر الشين وهو الجانب ، والمشاقة المخالفة ، كني بالمشاقة عن المخالفة لأن المستقر بشق مخالف للمستقر بشق آخر فكلاهما مخالف ، فلذلك صيغت منه صيغة المفاعلة .

وتبين الهدى لهم : ظهور ما في دعوة الإسلام من الحق الذي تدركه العقول إذا نبهت إليه ، وظهور أن أمر الإسلام في ازدياد ونماء ، وأن أمور الآخرين في إدبار ، فلم [ ص: 126 ] يردعهم ذلك عن محاولة الإضرار بالرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال - تعالى - أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها .

فحصل من مجموع ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رسول الله ، وأن الإسلام دين الله .

وقيل المراد بالذين كفروا في هذه الآية يهود قريظة والنضير ، وعليه فمشاقتهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - مشاقة خفية مشاقة كيد ومكر ، وتبين الهدى لهم ظهور أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - هو الموعود به في التوراة وكتب الأنبياء ، فتكون الآية تمهيدا لغزو قريظة والنضير .

وانتصب " شيئا " على المفعول المطلق لـ " يضروا " والتنوين للتقليل ، أي لا يضرون في المستقبل الله أقل ضر .

وإضرار الله أريد به إضرار دينه لقصد التنويه والتشريف لهذا الدين بقرينة قوله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى .

والإحباط : الإبطال كما تقدم آنفا .

ومعنى إبطال أعمالهم بالنسبة لأعمالهم في معاملة المسلمين أن الله يلطف برسوله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين بتيسير أسباب نصرهم وانتشار دينه ، فلا يحصل الذين كفروا من أعمالهم للصد والمشاقة على طائل . وهذا كما تقدم في تفسير قوله " أضل أعمالهم " .

وحرف الاستقبال هنا لتحقيق حصول الإحباط في المستقبل وهو يدل على أن الله محبط أعمالهم من الآن إذ لا يعجزه ذلك حتى يترصد به المستقبل ، وهذا التحقيق مثل ما في قوله في سورة يوسف قال سوف أستغفر لكم ربي .

التالي السابق


الخدمات العلمية