الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2094 2208 - حدثنا قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع ثمر التمر حتى تزهو . فقلنا لأنس : ما زهوها ؟ قال : تحمر وتصفر ، أرأيت إن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك ؟ [انظر : 1488 - مسلم: 1555 - فتح: 4 \ 404]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المحاقلة ، والمخاضرة والمنابذة ، والملامسة ، والمزابنة .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أنس في بيع الثمار حتى تزهو ، وقد أسلفناه ، وكذا الأول ، وأنه من أفراد البخاري ، قال الإسماعيلي : وفي بعض الروايات : والمخاضرة : بيع الثمار قبل أن تطعم ، وبيع الزرع قبل أن يشتد ويفرك منه ، وقد أسلفنا الكلام على كل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              والمخاضرة : بالخاء والضاد المعجمتين ، وهي : بيع الثمار خضراء لم (يبد) صلاحها . مفاعلة ; لأنهما باعا شيئا أخضر ، وقام الإجماع [ ص: 512 ] على أنه لا يجوز بيع الثمار ، والزروع ، والبقول قبل بدو صلاحها على شرط التبقية إلى وقت طيبها ، ولا يجوز بيع الزرع الأخضر إلا القصيل لأكل الدواب ، وكذلك أجمعوا أنه يجوز بيع البقول إذا قلعت من الأرض ، وانتفع بها ، وأحاط علما بها المشتري ، ومن بيع المخاضرة : شراؤها مغيبة في الأرض كالفجل والكراث والبصل واللفت وشبهه ، وأجاز شراءها مالك والأوزاعي .

                                                                                                                                                                                                                              قال مالك : وذلك إذا استقل ورقه وأمن ، والأمان عنده أن يكون ما يقطع منه ليس بفساد ، وقال أبو حنيفة : بيع المغيب في الأرض جائز ، وهو بالخيار إذا رآه ، قال الشافعي : لا يجوز بيع ما لا يرى . وهو عنده من بيوع الغرر ، وحجة من أجاز ذلك : أنه لو قلعها ثم باعها لأضر ذلك به وبالناس ; لأنهم إنما يأكلون ذلك أولا أولا كما يأكلون الرطب والتمر ، ولا يقصدون بذلك الغرر ، وإذا باعها على شيء يراه ، أو صفة توصف له جاز فمتى جاء بخلاف الصفة أو الرؤية كان له رد ذلك بحصته ، وإنما يجوز بيع ذلك كله على التبقية إذا طابت للأكل ، كما يجوز بيع الثمرة على التبقية إذا طابت للأكل .

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في بيع القثاء والبطيخ ، وما يأتي بطنا بعد بطن ، فقال مالك : يجوز بيعه إذا بدا صلاحه ، ويكون للمشتري ما ينبت حتى ينقطع ثمره ; لأن وقته معروف عند الناس .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 513 ] وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يجوز بيع بطن منه إلا بعد طيبه كالبطن الأول ، وهو عندهم من بيع ما لم يخلق ، وجعله مالك كالثمرة إذا بدا صلاح أولها جاز ما بدا صلاحه وما لم يبد ; لحاجتهم إلى ذلك ، ولو منعوا منه لأضر بهم ; لأن ما تدعو إليه الضرورة يجوز فيه بعض الغرر ، ألا ترى أن الظئر تكرى لأجل لبنها الذي لم يخلق ولم يوجد إلا أوله ، ولا يدرى كم يشرب الصبي منه ، وكذلك لو اكترى عبدا لخدمته لكانت المنفعة التي وقع عليها العقد لم تخلق ، وإنما تجددت أولا أولا ، ولو مات العبد لوقعت المحاسبة على ما حصل من المنفعة ، فجوز ذلك لحاجة الناس إليه فبيع ما لم يخلق ، وقد جرت العادة في الأغلب إذا كان الأصل سليما من الآفات أن تتتابع بطونه وتتلاحق ، وعدم مشاهدته لا تدل على بطلان بيعه ، بدليل بيع الجوز واللوز في قشريهما وفساده البين من خارج ، ولو كان مقشورا مغطى بشيء غير قشره لم يصح البيع .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية