الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 230 ] وأما فصل الولاية فقد نص فيه على قول أبي يوسف ، [ ص: 231 ] وهو قول هلال أيضا وهو ظاهر المذهب . وذكر هلال في وقفه وقال أقوام : إن شرط الواقف الولاية لنفسه كانت له ولاية ، وإن لم يشترط لم تكن له ولاية . قال مشايخنا : الأشبه أن يكون هذا قول محمد ، لأن من أصله أن التسليم إلى القيم شرط لصحة الوقف ، فإذا سلم لم يبق له ولاية فيه . ولنا أن المتولي إنما يستفيد الولاية من جهته بشرطه فيستحيل أن لا يكون له الولاية وغيره يستفيد الولاية منه ، ولأنه أقرب الناس إلى هذا الوقف فيكون أولى بولايته ، كمن اتخذ مسجدا يكون أولى بعمارته ونصب المؤذن فيه ، وكمن أعتق عبدا كان الولاء له [ ص: 232 ] لأنه أقرب الناس إليه . ولو أن الواقف شرط ولايته لنفسه وكان الواقف غير مأمون على الوقف فللقاضي أن ينزعها من يده نظرا للفقراء ، كما له أن يخرج الوصي نظرا للصغار ، وكذا إذا شرط أن ليس للسلطان ولا لقاض أن يخرجها من يده ويوليها غيره لأنه شرط مخالف لحكم الشرع فبطل

التالي السابق


( قوله وأما فصل الولاية فقد نص فيه ) أي القدوري ( على قول أبي يوسف ) حيث قال : [ ص: 231 ] أو جعل الولاية به إليه جاز على قول أبي يوسف ( وهو قول هلال أيضا ) قال المصنف ( وهو ظاهر المذهب . وذكر هلال في وقفه ) فقال ( وقال أقوام : إن شرط الواقف الولاية لنفسه كانت له ، وإن لم يشرط لم تكن له ولاية . قال مشايخنا : الأشبه أن يكون قول محمد لأن من أصله أن التسليم إلى القيم شرط لصحة الوقف فإذا سلم لم يبق له ولاية فيه )

فهذا يدل على أنه لم يثبت تصريح محمد به ، ولذا أطلق المصنف قوله وهو ظاهر المذهب . وأورد على هذا أن مقتضى اشتراط محمد التسليم إلى القيم أن لا يثبت للواقف ولاية وإن شرطها لنفسه ; لأنه ينافي هذا الشرط . أجيب بوجهين : أحدهما أن تأويل ذلك أن يكون شرط الولاية لنفسه ، ثم سلمها إلى المتولي فإن الولاية تكون له عند محمد ، فإنه ذكر في فتاوى قاضي خان ، ذكر محمد في السير أنه إذا وقف ضيعة وأخرجها إلى القيم لا تكون له ولاية بعد ذلك إلا إذا كان شرط الولاية لنفسه ، وأما إذا لم يشرط في ابتداء الوقف فليس له ولاية بعد التسليم ، إلى أن قال : وهذه المسألة بناء على أن عند محمد التسليم إلى المتولي شرط الوقف فلا تبقى له ولاية بعد هذا التسليم ، إلا إن شرط الولاية لنفسه ، وأما على قول أبي يوسف التسليم ليس بشرط فكان الولاية له وإن لم يشرطها ، ومثل هذا الذي ذكره في الكتاب مذكور في التتمة والذخيرة ، والآخر أن معنى قول محمد إن شرط الولاية لنفسه فهي له أنه إذا شرط الولاية لنفسه يسقط شرط التسليم عند محمد أيضا ; لأن شروط الواقف تراعى ، ومن ضرورته سقوط التسليم .

قال في النهاية : كذا وجدت في موضع بخط ثقة ، وقدمنا فرعا آخر على اشتراط التسليم عند الكلام عليه . ثم استدل المصنف على قول أبي يوسف الذي جعله ظاهر المذهب بقوله ( ولنا أن المتولي إنما يستفيد الولاية من جهته بشرطه فيستحيل أن لا يكون له ولاية وغيره يستفيدها منه ) ولقائل أن يمنع استفادة الولاية منه على تقدير كون التسليم شرطا ; لأنه بالتسليم يخرج عن ملكه فيصير أجنبيا عنه ، فيجب كون الولاية فيه للحاكم يولي فيه من شاء ممن يصلح لذلك ، وهو من لم يسأل الولاية في الوقف ، وليس فيه فسق يعرف بناء على خلوص الحق لله عز وجل لأن الحاكم هو الذي يتولى حقوق الله تعالى وهو تخريج للشافعية فلا بد لكون الولاية له بعد خروجه عن ملكه وعدم اشتراطه لنفسه من دليل ، بخلاف ما إذا شرطها لنفسه ، وقد يتم قوله ( ولأنه أقرب الناس إلى الوقف فكان أولى بولايته ) دليلا على ذلك ، فإن القاضي ليس أقرب منه إليه

والفرض أن الواقف عدل مأمون فهو أحق من القاضي ; لأنه وإن زال الملك فهو على وجه تعود منفعته للواقف يصرفه إلى الجهات التي عينها ، وهو أنصح لنفسه من غيره فينتصب وليا . وقوله ( كمن اتخذ مسجدا كان أولى بعمارته ونصب المؤذن ، وكمن أعتق عبدا كان الولاء له ; لأنه [ ص: 232 ] أقرب الناس إليه ) أما عمارته فلا خلاف يعلم فيه ، وأما نصب المؤذن والإمام فقال أبو نصر فلأهل المحلة وليس الباني أحق منهم بذلك . وقال أبو بكر الإسكاف : الباني أحق بنصبهما من غيره كالعمارة . قال أبو الليث : وبه نأخذ إلا أن يريد إماما ومؤذنا والقوم يريدون الأصلح فلهم أن يفعلوا ذلك ، كذا في النوازل ( ثم إذا شرط الواقف الولاية لنفسه ، وكان غير مأمون على الوقف فللقاضي أن يخرجه نظرا للفقراء ، كما له أن يخرج الوصي نظرا للصغار ، وكذا لو شرط أن ليس لسلطان ولا لقاض أن يخرجه عنه ويوليها غيره ) لا يلتفت إلى شرطه إذا كان غير مأمون ; لأنه شرط مخالف لحكم الشرع فيبطل ، وصرح بأن مما يخرج به الناظر ما إذا ظهر به فسق كشرب الخمر ونحوه . وفي فتاوى قاضي خان : لو جعل الواقف ولاية الوقف إلى رجلين بعد موته فأوصى أحدهما إلى صاحبه في أمر الوقف ومات جاز تصرف الحي في جميع الوقف . وعن أبي حنيفة لا يجوز ; لأنه إنما رضي برأيهما . وفيها لو جعل أرضه وقفا فمرض مرض الموت فجعل رجلا وصي نفسه ، ولم يذكر من أمر الوقف شيئا فإن ولاية الوقف لا تكون إلى الوصي ، ولو قال أنت وصي في أمر الوقف خاصة قال أبو يوسف : هو كما قال ، وقال أبو حنيفة : هو وصي في الأشياء كلها .




الخدمات العلمية