الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإن التسوية بين الجزاء والعمل هي القانون العادل الذي سنه رب العالمين، فلا تستوي الحسنة ولا السيئة، ولا يستوي الخير والشر ولذا قال سبحانه:

                                                          أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله هذا هو القانون السامي الذي وضعه سبحانه، وهو التساوي بين العمل وجزائه، وأنهم لا يتساوون في ذات أنفسهم، وفي الجزاء إذا اختلفت أعمالهم، ويفيد النص أن الجزاء يتحد إذا اتحد العمل، ويختلف إذا اختلف العمل، وفي النص الكريم عدة إشارات بيانية:

                                                          الأولى: أنه ساق الكلام مساق الاستفهام الإنكاري الذي يفيد النفي أي إنكار الوقوع، وهذا يفيد أن ذلك القانون بدهي لا تختلف فيه العقول، بحيث لو سئل كل واحد من الناس عن ذلك لأجاب بأنه لا يستوي من اتبع رضوان الله، مع من يبوء بغضب الله.

                                                          والثانية: أن الله سبحانه وتعالى سمى الأمناء الذين لا يغلون ولا يخونون في أي شيء، وخصوصا في الغنائم: يتبعون رضوان الله تعالى، وذلك لأنهم يخرجون مجاهدين في سبيل الحق ورفع كلمة الله وقد قدموا أنفسهم لمرضاته، وكانوا ممن شروا أنفسهم لله، ومن المؤمنين الذين اشترى الله سبحانه وتعالى أنفسهم، وفي ذلك رضوان الله تعالى، وهو أعظم جزاء في الدنيا والآخرة. [ ص: 1487 ] والثالثة: أنه عبر عن الذين يغلون ويخونون بأنهم يبوءون أي يعودون على أنفسهم بسخط الله تعالى، والسخط ليس هو الغضب المجرد، بل هو الغضب الذي يصحبه أو يترتب عليه العقاب، وفرق بين عملين: أحدهما يجلب أبلغ الرضا، وثانيهما يجلب أبلغ الغضب وأشد العقاب، وإن ذكر هذه المقابلة ليعرفالذين يغلون بالغنائم أنهم لا يكسبون لأن ما يخسرونه أضعاف ما يكسبون من عرض لا بقاء له، والعبرة بفاضل ما بين الكسبين، أما الذين قد اختاروا الأمانة سبيلا، فإنهم لا يخسرون شيئا؛ لأن مال الخيانة لا يعد كسبا، بل هو سحت لا كسب فيه، ومع أنهم لا يخسرون شيئا، وكسبهم عظيم لا حد له، وهو رضوان الله تعالى.

                                                          والرابعة: أنه سبحانه عبر عن اتباع أوامر الله ونواهيه باتباع رضوانه؛ لأن الطاعة المخلصة تؤدي إلى رضوانه سبحانه وتعالى، فطلب رضا الله في طاعته.

                                                          ولقد عقب سبحانه ذكر سخطه بذكر عقابه؛ لأن السخط والعقاب متلازمان، كما أشرنا، ولذا قال سبحانه: ومأواه جهنم وبئس المصير أي أن عودتهم بغضب الله الشديد يتبعه حتما ذلك المصير يوم القيامة، وهو أن يكون المستقر الذي يستقرون فيه وينتهون إليه، هو جهنم، وهي الهاوية التي يهوون إليها في النار، جزاء هاوية الخيانة التي أصابتهم في الدنيا، وبئس ذلك المصير الذي صاروا إليه، وكان لهم نهاية، وإن لم يريدوه لهم غاية.

                                                          وإن نتيجة عدم التساوي بين من يتبع رضوان الله تعالى ويطلبه بإقامة الطاعات على وجهها الأكمل، ومن يختارون الشر سبيلا - هي أن يكون الناس درجات بحسب مقدار طلب الرضوان، ومقدار اتباع السخط، ولذا قال سبحانه:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية