الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1879 حدثنا إسحاق بن شاهين الواسطي حدثنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن أبي قلابة قال أخبرني أبو المليح قال دخلت مع أبيك على عبد الله بن عمرو فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له صومي فدخل علي فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه فقال أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام قال قلت يا رسول الله قال خمسا قلت يا رسول الله قال سبعا قلت يا رسول الله قال تسعا قلت يا رسول الله قال إحدى عشرة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لا صوم فوق صوم داود عليه السلام شطر الدهر صم يوما وأفطر يوما

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله في الطريق الثانية : ( أخبرني أبو المليح ) هو عامر وقيل : زيد وقيل : زياد بن أسامة بن عمير الهذلي ، لأبيه صحبة ، وليس لأبي المليح في البخاري سوى هذا الحديث ، وأعاده في الاستئذان ، وآخر تقدم في المواقيت في موضعين من روايته عن بريدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( دخلت مع أبيك ) وقع في الاستئذان " مع أبيك زيد " وهو والد أبي قلابة عبد الله بن زيد بن عمرو - وقيل : عامر - الجرمي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإما أرسل إلي وإما لقيته ) شك من بعض رواته ، وغلط من قال : إنه شك من عبد الله بن عمرو ، لما تقدم من أنه - صلى الله عليه وسلم - قصده إلى بيته فدل على أن لقاءه إياه كان عن قصد منه إليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه ) فيه بيان ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التواضع وترك الاستئثار على جليسه ، وفي كون الوسادة من أدم حشوها ليف بيان ما كان عليه الصحابة في غالب أحوالهم في عهده - صلى الله عليه وسلم - من الضيق ، إذ لو كان عنده أشرف منها لأكرم بها نبيه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خمسا ) في رواية الكشميهني : " خمسة " وكذا في البواقي ، فمن قال : " خمسة " أراد الأيام ، ومن قال : " خمسا " أراد الليالي ، وفيه تجوز .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : إحدى عشرة ) زاد في رواية عمرو بن عون : " قلت : يا رسول الله " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( شطر الدهر ) بالرفع على القطع ، ويجوز النصب على إضمار فعل ، والجر على البدل من صوم داود .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( صم يوما وأفطر يوما ) في رواية عمرو بن عون : " صيام يوم وإفطار يوم " ويجوز فيه الحركات أيضا ، وفي قصة عبد الله بن عمرو هذه من الفوائد غير ما تقدم هنا وفي أبواب التهجد بيان رفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمته وشفقته عليهم وإرشاده إياهم إلى ما يصلحهم ، وحثه إياهم على ما يطيقون الدوام عليه ، ونهيهم عن التعمق في العبادة لما يخشى من إفضائه إلى الملل المفضي إلى الترك أو ترك البعض ، وقد ذم الله تعالى قوما لازموا العبادة ثم فرطوا فيها . وفيه الندب إلى الدوام على ما وظفه الإنسان على نفسه من العبادة . وفيه جواز الإخبار عن الأعمال الصالحة والأوراد ومحاسن الأعمال ، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الرياء . وفيه جواز القسم على التزام العبادة ، وفائدته الاستعانة باليمين على النشاط لها ، وأن ذلك لا يخل بصحة النية والإخلاص فيها ، وأن اليمين على ذلك لا يلحقها بالنذر الذي يجب الوفاء به ، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف ، وأن النفل المطلق لا ينبغي تحديده ، بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص والأوقات والأحوال . [ ص: 266 ] وفيه جواز التفدية بالأب والأم ، وفيه الإشارة إلى الاقتداء بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - في أنواع العبادات ، وفيه أن طاعة الوالد لا تجب في ترك العبادة ولهذا احتاج عمرو إلى شكوى ولده عبد الله ، ولم ينكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك طاعته لأبيه . وفيه زيارة الفاضل للمفضول في بيته ، وإكرام الضيف بإلقاء الفرش ونحوها تحته ، وتواضع الزائر بجلوسه دون ما يفرش له ، وأن لا حرج عليه في ذلك إذا كان على سبيل التواضع والإكرام للمزور .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية