الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
والغنيمة اسم للمال المصاب بالقتال على وجه يكون فيه إعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز دينه والفيء اسم للمصاب من أموالهم بغير قتال كالخراج والجزية قال الله تعالى { وما أفاء الله على رسوله } الآية فإن أبوا فادعوهم إلى إعطاء الجزية وهذا عام دخله الخصوص فالمراد من يقبل منهم الجزية من أهل الكتاب أو المجوس أو عبدة الأوثان من العجم فأما المرتدون وعبدة الأوثان من العرب لا تقبل منهم الجزية ولكنهم يقاتلون إلى أن يسلموا قال الله تعالى { تقاتلونهم أو يسلمون } أي حتى يسلموا فإن كانوا ممن تقبل منهم الجزية يجب عرض ذلك عليهم إذا امتنعوا من الإيمان لأنه أصل ما ينتهي به القتال قال الله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد } وبقبول ذلك يصيرون من أهل دارنا ويلتزمون أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات فيدعون إليه والمراد بالإعطاء القبول والالتزام فإن فعلوا ذلك فاقبلوا منهم وكفوا عنهم وإذا حاصرتم أهل حصن أو مدينة فأرادوكم أن تنزلوهم على حكم الله تعالى فلا تنزلوهم فإنكم لا تدرون ما حكم الله تعالى فيهم وبه يستدل محمد رحمه الله تعالى على أنه لا يجوز إنزال المحاصرين على حكم الله تعالى وأبو يوسف رحمه الله تعالى يجوز ذلك ويقول : كان هذا في ذلك الوقت فإن الوحي كان ينزل والحكم يتغير ساعة فساعة فالذين كانوا بالبعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يدرون ما نزل بعدهم من حكم الله تعالى فأما الآن فقد استقر الحكم وعلم أن الحكم في المشركين الدعاء إلى الإسلام وتخلية سبيلهم إن أجابوا قال الله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } فإن أبوا فالدعاء إلى التزام الجزية فإن أبوا فقتل المقاتلة وسبي الذرية ومحمد رحمه الله تعالى يقول : لا يجوز الإنزال على حكم الله تعالى كما ذكر في الحديث فإن الحكم الذي ذكره أبو يوسف رحمه الله تعالى في قوم وقع الظهور عليهم فأما في قوم محصورين ممتنعين في أنفسهم نزلوا على حكم الله تعالى فلا يدري أن الحكم هذا أو غيره وفي هذا اللفظ دليل لأهل السنة والجماعة على أن المجتهد يخطئ ويصيب فإنه قال : فإنكم لا تدرون ما حكم الله فيهم ولو كان كل مجتهد مصيبا لكان يعلم حكم الله فيهم بالاجتهاد [ ص: 8 ] لا محالة .

( فإن قيل ) : فقد قال : أنزلوهم على حكمكم ثم احكموا فيهم بما رأيتم ولو لم يكن المجتهد مصيبا للحق لما أمر بإنزالهم على حكمنا فإنه لا يأمر بالإنزال على الخطأ وإنما يأمر بالإنزال على الصواب .

( قلنا ) : نعم ، نحن لا نقول المجتهد يكون مخطئا لا محالة ولكنه على رجاء من الإصابة وهو آت بما في وسعه فلهذا أمر بالإنزال على ذلك لا لأنه يكون مصيبا للحق باجتهاده لا محالة .

وفائدة ذلك أنه لا يتمكن فيه شبهة الخلاف إذا نزلوا على حكمنا وحكمنا فيهم بما رأينا ويتمكن ذلك إذا نزلوا على حكم الله تعالى باعتبار أن المجتهد يخطئ ويصيب فهذا فائدة هذا اللفظ .

التالي السابق


الخدمات العلمية