الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكف أيدي الناس عنكم امتنان عليهم بنعمة غفلوا عنها حين حزنوا لوقوع صلح الحديبية وهي نعمة السلم ، أي كف أيدي المشركين عنهم فإنهم لو واجهوهم يوم الحديبية بالقتال دون المراجعة في سبب قدومهم لرجع المسلمون بعد القتال متعبين . ولما تهيأ لهم فتح خيبر ، وأنهم لو اقتتلوا مع أهل مكة لدحض في ذلك مؤمنون ومؤمنات كانوا في مكة كما أشار إليه قوله - تعالى - ولولا رجال مؤمنون الآية .

فالمراد بـ " الناس " : أهل مكة جريا على مصطلح القرآن في إطلاق هذا اللفظ غالبا .

[ ص: 178 ] وقيل : المراد كف أيدي الإعراب المشركين من بني أسد وغطفان وكانوا أحلافا ليهود خيبر وجاءوا لنصرتهم لما حاصر المسلمون خيبر فألقى الله في قلوبهم الرعب فنكصوا .

وقيل : إن المشركين بعثوا أربعين رجلا ليصيبوا من المسلمين في الحديبية فأسرهم المسلمون ، وهو ما سيجيء في قوله وأيديكم عنهم .

وقيل : كف أيدي اليهود عنكم ، أي عن أهلكم وذراريكم إذ كانوا يستطيعون أن يهجموا على المدينة في مدة غيبة معظم أهلها في الحديبية ، وهذا القول لا يناسبه إطلاق لفظ الناس في غالب مصطلح القرآن ، والكف : منع الفاعل من فعل أراده أو شرع فيه ، وهو مشتق من اسم الكف التي هي اليد لأن أصل المنع أن يكون دفعا باليد ، ويقال : كف يده عن كذا ، إذا منعه من تناوله بيده .

وأطلق الكف هنا مجازا على الصرف ، أي قدر الله كف أيدي الناس عنكم بأن أوجد أسباب صرفهم عن أن يتناولوكم بضر سواء نووه أو لم ينووه ، وإطلاق الفعل على تقديره كثير في القرآن حين لا يكون للتعبير عن المعاني الإلهية فعل مناسب له في كلام العرب ، فإن اللغة بنيت على متعارف الناس مخاطباتهم وطرأت معظم المعاني الإلهية بمجيء القرآن فتغير عن الشأن الإلهي بأقرب الأفعال إلى معناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية