الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الفصل الثالث )

1836 - عن زيد بن أسلم قال : شرب عمر بن الخطاب لبنا فأعجبه ، فسأل الذي سقاه : من أين هذا اللبن ؟ فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه فإذا نعم من نعم الصدقة ، وهم يسقون فحلبوا من ألبانها ، فجعلته في سقائي فهو هذا ، فأدخل عمر يده فاستقاء ، رواه مالك والبيهقي في شعب الإيمان .

التالي السابق


( الفصل الثالث )

1836 - ( عن زيد بن أسلم قال : شرب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لبنا فأعجبه ) أي وافق هوى نفسه فأنكره بالاستدلال القلبي بالإلهام الغيبي ، وقال الغزالي : سأل عمر - رضي الله عنه - إذ رابه فإنه أعجبه طعمه ، ولم يكن على ما كان يألفه كل ليلة وهذا من أسباب الريبة وحمله على الورع ( فسأل الذي سقاه : من أين هذا اللبن ؟ فأخبره أنه ورد ) أي مر ( على ماء ) أي مكان ماء وأغرب ابن حجر في قوله : أي مكان فيه ماء ، كذا قاله شارح وهو غير محتاج ، وما المانع أنه ورد الماء نفسه وإن كان من لازم وروده محله اهـ ووجه غرابته لا تخفى ( قد سماه ) أي عينه باسمه " فإذا " للمفاجأة ( نعم ) بفتحتين ( من نعم الصدقة وهم ) أي الرعاة أو أهل النعم ( يسقون ) أي النعم ( فحلبوا من ألبانها ) أي فأعطوني هذا فأخذته ( فجعلته في سقائي ) بكسر السين ( فهو هذا ، فأدخل عمر يده ) أي في فمه أو حلقه ( استقاء ) أي فتقيأه حتى أخرجه من جوفه . قال الطيبي : هذا غاية الورع والتنزه عن الشبه ، قال ابن حجر كان الشارح لم يستحضر قول أئمته : إن كل من أكل أو شرب حراما لزمه أن يتقيأه إن أطاقه وإن عذر في تناوله اهـ وفيه أنه لا دلالة في الحديث على كون ذلك اللبن حراما لأن القابض إذا أخذه على وجه الاستحقاق وأهداه لغير المستحق على فرض أن عمر غير مستحق فلا شك في حليته ، كما تقدم في حديث بريرة أنه لها صدقة ولنا هدية فكأن المعترض لم يتفطن لهذا وظن أن اللبن حرام ، وأيضا لا فائدة في استقائه إذ لا يمكن رده إلى صاحبه وإنما هو تنقية الباطن من أثر الحرام أو الشبهة وهذا لا شبهة أنه ورع ، قال الغزالي في الإحياء : وإنما تقيأ ما شربه مع الجهل حتى لا ينبت منه لحم يثبت ويبقى ، وقال في موضع آخر : ولا ينبغي أن يقال إنه لا يدري فلا يضره ، لأن الحرام إذا أكل وحصل في المعدة أثر في قساوة القلب وإن لم يعرفه صاحبه ولذا تقيأ عمر - رضي الله عنه - لأنه شرب على جهل ، وهذا وإن أفتينا بأنه حلال للفقير فإنما أحللناه بحكم الحاجة إليه ، فهو كالخنزير والخمر إذا أحللناه للضرورة ولا يلتحق بالطيبات اهـ ( رواه مالك والبيهقي في شعب الإيمان ) .




الخدمات العلمية