الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4042 (15) باب

                                                                                              من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

                                                                                              [ 2086 ] عن أبي واقد الليثي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل نفر ثلاثة، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله، فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه.

                                                                                              رواه أحمد (5 \ 219) والبخاري (66) ومسلم (2176) والترمذي (2724). [ ص: 507 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 507 ] (15) ومن باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها

                                                                                              قوله: ( إذ أقبل نفر ثلاثة ) يدل على أن أقل ما يقال عليه نفر: ثلاثة; إذ لا يقال: نفر اثنان، ولا: نفر واحد.

                                                                                              و(قوله: أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله ) الرواية الصحيحة بقصر الأول، وهو ثلاثي غير متعد، ومد الثاني وهو متعد رباعي، وهو قول الأصمعي ، وهي لغة القرآن، قال الله تعالى: إذ أوى الفتية إلى الكهف أي: انضموا، ونزلوا. وقال في الثاني: ألم يجدك يتيما فآوى أي: فضمك إليه. وقال أبو زيد : آويته أنا إيواء وأويته: إذا أنزلته بك، فعلت وأفعلت بمعنى.

                                                                                              قلت: فأما أويت لمفاقره: فبالقصر لا غير.

                                                                                              [ ص: 508 ] ومعنى ذلك: أن هذا الرجل لما انضم إلى الحلقة ونزل فيها، جازاه الله تعالى على ذلك بأن ضمه إلى رحمته، وأنزله في جنته وكرامته.

                                                                                              ففيه: الحض على مجالسة العلماء، ومداخلتهم، والكون معهم; فإنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم.

                                                                                              وفيه: التحلق لسماع العلم في المسجد حول العالم، والحض على سد خلل الحلقة; لأن القرب من العالم أولى؛ لما يحصل من ذلك من حسن الاستماع، والحفظ، والحال في حلق الذكر كالحال في صفوف الصلاة، يتم الصف الأول، فإن كان نقص ففي المؤخر.

                                                                                              و( الحلقة ) بفتح الحاء وسكون اللام، وكذلك حلقة الباب. والحلقة: الدروع، والجمع: الحلق على غير قياس. وقال الأصمعي : الجمع حلق، مثل: بدرة وبدر، وقصعة وقصع، وحكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء : حلقة - في الواحد بتحريك اللام - والجمع: حلق وحلقات. وقال أبو عمرو الشيباني : ليس في الكلام حلقة - بتحريك اللام - إلا قولهم: هؤلاء قوم حلقة، جمع حالق للشعر.

                                                                                              و(قوله: وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه ) كأن هذا الثالث كان متمكنا من المزاحمة; إذ لو شرع فيها لفسح له; لأن التفسح في المجلس مأمور به، مندوب إليه، لكن منعه من ذلك الحياء فجلس خلف الصف الأول، ففاتته فضيلة التقدم، لكنه جازاه الله على إصغائه واستحيائه بأن لا يعذبه، وبأن يكرمه. وقد تقدم الكلام في الحياء، واستحياء الله تعالى، وأن معناه في حقه تعالى: أنه يعامل عبيده بما يعامل به من يستحيي منه من المغفرة والكرامة; كما قد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يستحيي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه).

                                                                                              [ ص: 509 ] و(قوله: وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه) إن كان هذا المعرض منافقا فإعراض الله عنه تعذيبه في نار جهنم، وتخليده فيها في الدرك الأسفل منها. وإن كان مسلما، وإنما انصرف عن الحلقة لعارض عرض له فآثره، فإعراض الله تعالى عنه: منع ثوابه عنه، وحرمانه مجالسة النبي - صلى الله عليه وسلم - والاستفادة منه، والخير الذي حصل لصاحبيه.




                                                                                              الخدمات العلمية