الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 321 ] فصل

قال الدرجة الثانية : أن ترضى بما رضي الحق به لنفسه عبدا من المسلمين أخا . وأن لا ترد على عدوك حقا . وأن تقبل من المعتذر معاذيره .

يقول : إذا كان الله قد رضي أخاك المسلم لنفسه عبدا . أفلا ترضى أنت به أخا ؟ فعدم رضاك به أخا - وقد رضيه سيدك الذي أنت عبده عبدا لنفسه - عين الكبر . وأي قبيح أقبح من تكبر العبد على عبد مثله ، لا يرضى بأخوته . وسيده راض بعبوديته ؟ .

فيجيء من هذا : أن المتكبر غير راض بعبودية سيده . إذ عبوديته توجب رضاه بأخوة عبده . وهذا شأن عبيد الملوك . فإنهم يرون بعضهم خشداشية بعض . ومن ترفع منهم عن ذلك : لم يكن من عبيد أستاذهم .

قوله : وأن لا ترد على عدوك حقا .

أي لا تصح لك درجة التواضع حتى تقبل الحق ممن تحب وممن تبغض فتقبله من عدوك كما تقبله من وليك . وإذا لم ترد عليه حقه ، فكيف تمنعه حقا له قبلك ؟ بل حقيقة التواضع أنه إذا جاءك قبلته منه . وإذا كان له عليك حق أديته إليه . فلا تمنعك عداوته من قبول حقه ، ولا من إيتائه إياه .

وأما قبولك من المعتذر معاذيره .

فمعناه : أن من أساء إليك . ثم جاء يعتذر من إساءته ، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته ، حقا كانت أو باطلا . وتكل سريرته إلى الله تعالى . كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين الذين تخلفوا عنه في الغزو . فلما قدم جاءوا يعتذرون إليه . فقبل أعذارهم . ووكل سرائرهم إلى الله تعالى .

وعلامة الكرم والتواضع : أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفه عليه ولا تحاجه . وقل : يمكن أن يكون الأمر كما تقول . ولو قضي شيء لكان ، والمقدور لا مدفع له . ونحو ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية