الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم [13]

                                                                                                                                                                                                                                        نصبت يوما على الظرف أي وذلك الفوز العظيم في ذلك اليوم ، ويجوز أن يكون بدلا من اليوم الذي قبله ، "انظرونا" من نظر ينظر بمعنى النظر . وهذه القراءة البينة . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ( وأنظرونا) بفتح الهمزة ، وزعم أبو حاتم أن هذا خطأ ، قال : وإنما يأتينا هذا من شق الكوفة . قال أبو جعفر : وسمعت علي بن سليمان يقول : إنما لحن حمزة في هذا لأن الذي لحنه قدر "أنظرنا" بمعنى أخرنا وأمهلنا ، فلم يجز ذلك ههنا . وهو عندي يحتمل غير هذا؛ لأنه يقال : أنظرني بمعنى تمهل علي وترفق . فالمعنى على هذا يصح . ( نقتبس من نوركم ) مجزوم لأنه جواب . ( قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) أي قال المؤمنون للمنافقين ارجعوا إلى الموضع الذي كنا فيه فاطلبوا ثم النور . قال أبو جعفر : وشرح هذا ما روي عن ابن عباس قال : يغشى الناس ظلمة المؤمنين والمنافقين والكافرين ، فيبعث الله جل وعز نورا يهتدي به المؤمنون إلى الجنة فإذا تبعه المؤمنون تبعهم المنافقون ، فيضرب الله جل وعز بينهم بسور باطنه فيه [ ص: 358 ] الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، فينادي المنافقون المؤمنين ( انظرونا نقتبس من نوركم ) فيقول لهم المؤمنون : ( ارجعوا وراءكم ) إلى الموضع الذي كنا فيه وفيه الظلمة فجاء النور فالتمسوا منه النور . قال أبو جعفر ( فضرب بينهم بسور ) في موضع رفع على أنه اسم ما لم يسم فاعله والباء زائدة ، وعلى قول محمد بن يزيد هي متعلقة بالمصدر الذي دل عليه الفعل ، وضمت الضاد في "ضرب" للفرق فإن قيل : فلم لا كسرت؟ فالجواب عند بعض النحويين أنها ضمت كما ضم أول الاسم في التصغير وهذا الجواب يحتاج إلى جوابين : أحدهما الجواب لم ضم أول الاسم المصغر؟ ولم ضم أول فعل ما لم يسم فاعله؟ والجواب أن أول فعل ما لم يسم فاعله ضم لأنه لما وجب الفرق بينه وبين الفعل الذي سمي فاعله لم يجز أن يكسر إلا لعلة أخرى؛ لأن بينه ما سمي فاعله قد يأتي مكسورا في قول بعضهم : أنت تعلم ونحن نستعين ، ويأتي مفتوحا ، وهو الباب فلم يبق إلا الضم ، وليس هذا موضع جواب التصغير . ( له باب ) قال كعب الأحبار باب الرحمة الذي في بيت المقدس هو الذي ذكره الله جل وعز . قال قتادة : ( باطنه فيه الرحمة ) الجنة وما فيها ( وظاهره من قبله العذاب ) النار .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية