الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق السادس والستون بين قاعدة ما تعين وقته فيوصف فيه بالأداء وبعده بالقضاء وبين قاعدة ما تعين وقته ولا يوصف فيه بالأداء ولا بعده بالقضاء والتعيين في القسمين شرعي ) [ ص: 56 ]

اعلم أن هذا الموضع وهذا الفرق لم أره لأحد من العلماء فيم رأيته ولم يقع التصريح به فيما وجدته ولا التعريض بل التصريح في حد الأداء والقضاء بضده في كتب الأصول والفروع فيقولون في حد الأداء هو إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعا وفي حد القضاء هو إيقاع الواجب خارج وقته المحدود له شرعا وهذان التفسيران باطلان بسبب أن الواجبات الفورية كرد الغصوب والودائع إذا طلبت والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقضية الحكام إذا نهضت الحجاج كل ذلك واجب على الفور ، ومع ذلك لا يقال لها إنها أداء إذا وقعت في وقتها المحدود لها شرعا ولا قضاء إذا وقعت بعده فإن الشرع حدد لها زمانا وهو زمان الوقوع فأوله أول زمان التكليف وآخره الفراغ منها بحسبها في طولها وقصرها فزمانها محدود شرعا مع انتفاء الأداء والقضاء عنها في الوقت وبعده .

وكذلك إنقاذ الغريق حدد له الشرع الزمان فأوله ما يلي زمن السقوط وآخره الفراغ من علاجه بحسب حاله ولا يوصف بأنه أداء في الوقت ولا قضاء بعده مع التحديد الشرعي ، ومن ذلك الحج إذا قلنا : إنه على الفور فإن الشارع حدد له زمانا من هذه السنة ولا يوصف بأنه قضاء بعد هذه السنة إذا أخرت هذه الحجة ولا يلزم معها هدي القضاء ، وكذلك إذا قلنا الأمر للفور فإن القاضي أبا بكر رحمه الله قال لا بد من زمان للسماع وزمان للتأمل وتعرف معنى الخطاب وفي الزمن الثالث يكون الفعل زمانيا وبالتأخير عنه يوصف المكلف بالمخالفة .

وقد حدد الشرع الزمان حينئذ أوله الزمن الثالث من زمن السماع وآخره الفراغ من الفعل بحسبه وهذه النقوض كلها تبطل حد الأداء فإن حده يتناولها وليست أداء فيكون غير مانع وإيقاعها بعد وقتها يتناوله حد القضاء وليست قضاء فيكون غير جامع فحينئذ تتعين العناية بتحرير الفرق وتحرير هذه الضوابط والحدود حتى يتضح الحق في ذلك وهو أن نقول الأداء هو إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعا لمصلحة اشتمل عليها الوقت بالأمر الأول والقضاء إيقاع الواجب خارج وقته المحدود له شرعا لأجل مصلحة فيه بالأمر الثاني فقوله في وقته احتراز من القضاء ، وقولنا : " المحدود له " احتراز من المغيا بجميع العمر ، وقولنا : " شرعا " احتراز مما يحده أهل العرف ، وقولنا : " لمصلحة اشتمل عليها الوقت " احتراز من تلك النقوض كلها ، وتحريره أنا نعتقد أن الله تعالى إنما عين شهر رمضان لمصلحة يشتمل عليها دون غيره طردا لقاعدة الشرع في رعاية المصالح على سبيل التفضل فإنا إذا لاحظنا الشرائع وجدناها مصالح في الأغلب أدركنا ذلك وخفي علينا في الأقل فقلنا ذلك الأقل من جنس ذلك الأكثر كما لو جرت عادة ملك بأن لا يخلع الأخضر إلا على الفقهاء فإذا رأينا من خلع عليه الأخضر ولا نعلم قلنا هو فقيه طردا لقاعدة ذلك الملك وكذلك نعتقد فيما لم نطلع فيه على مفسدة ولا مصلحة [ ص: 57 ] أنه مصلحة إن كان في جانب الأمر وفيه مفسدة إن كان في جانب النواهي طردا لقاعدة الشرع في رعاية المصالح والمفاسد على سبيل التفضل لا على سبيل الوجوب العقلي كما تقوله المعتزلة ، وكذا نقول في أوقات الصلوات إنها مشتملة على مصالح لا نعلمها وكذلك كل تعبدي ومعناه أن فيه مصلحة لا نعلمها فحينئذ تتعين أوقات العبادات لمصالح فيها ، وتعيين الفوريات ليس كذلك بل تبع للمأمورات وطريان الأسباب فالغريق لو تأخر سقوطه في البحر تأخر الزمان أو تعجل تعجل الزمان فتأمل ذلك .

وكذلك الحج تابع للاستطاعة فلو تأخرت تأخرت السنة أو تقدمت تقدمت السنة فصار تعيين الوقت تابعا للاستطاعة لا لمصلحة فيه ، وكذلك نقول : إن الفور تعين الوقت إذا قلنا الأمر على الفور تابع لورود الصيغة فإن تقدمت تقدم الوقت أو تأخرت تأخر الوقت وكذلك أقضية الحكام الوقت تابع لنهوض الحجاج فتتعين حينئذ وكذلك رد المغصوب وبقية النقوض قد اتضح لك التخريج في ذلك وظهر الفرق بينهما وبين أوقات العبادات فإنها متعينة لمصالح فيها ولولاها لما تعين بعد الزوال دون ما قبله ولا رمضان دون بقية شهور السنة إذا اتضح لك الفرق فقوله في الحد لمصلحة اشتمل عليها الوقت احتراز من تعيين الوقت لمصلحة المأمور والتبعية لطريان الأسباب .

واتجه أيضا حد القضاء بذلك لما قلنا إنه إيقاع الواجب خارج وقته المحدود له شرعا لمصلحة اشتمل عليها الوقت فلا يكون الفعل موصوفا بالقضاء إلا إذا وقع خارج وقته المحدود لمصلحة فيه ، وقولنا في القضاء بالأمر الثاني احتراز من نقض وهو أن الله تعالى جعل لقضاء رمضان جملة السنة كلها التي تلي شهر الأداء فهو واجب وقع في وقته المحدود له شرعا وليس أداء فخرج بقولنا بالأمر الأول أن القضاء وجب بأمر جديد ودخل في حد القضاء ولم يخرج منه بقولنا بالأمر الثاني وسبب اندراجه في حد الأداء أن الله تعالى عين السنة لمصلحة تختص بها لا نعلمها فالسنة كأوقات الصلوات ليست تابعة لغيرها بخلاف سنة الحج تابعة للاستطاعة فإن قلت وسنة القضاء أيضا تابعة لترك الصوم قلت مسلم لكن هذا وقت حدد طرفاه وجعل واجبا موسعا بخلاف الحج .

ولما ترتب رمضان من بين سائر الشهور للأداء رتب ما بعده للقضاء إلى شعبان في أصل الشريعة معينا في حق كل مكلف بخلاف الحج لم يعين له إلا ما كان عقيب الاستطاعة وهي تختلف باختلاف الناس وسنة القضاء لا تختلف باختلاف الناس فهذا هو الفرق فإن قلت ما ذكرته لا يتم لاتفاق الناس على أن الحج يوصف بالقضاء مع خروجه عما ذكرته من التحديد فيقولون في الحج بعد الحجة الفاسدة قضاء ويقولون إن النوافل تقضى وليس لها وقت محدود بالتفسير الذي ذكرته فعند الشافعي يقضى ما له سبب وعند مالك وأبي حنيفة ما شرع فيه من الطاعات وأبطله على تفصيل [ ص: 58 ] عند الإمامين مذكور في كتب الفروع للفريقين فقد اتفقوا على القضاء في النوافل ويقولون المأموم فيما فاته هل يكون قاضيا أم بانيا خلاف بين العلماء في تعيين القضاء لا في أنه يسمى قضاء لو وقع فاتفق الكل على أنه لو فعل ما فاته من المغرب جهرا لكان قضاء اتفاقا إنما الخلاف هل حكم الله تعالى ذلك أم لا قال الله تعالى { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } مع أن صلاة المأموم وقضاء صلاة الجمعة في الوقت فبطل بهذه الأنواع حد الأداء وحد القضاء قلت القضاء في اصطلاح حملة الشريعة لفظ مشترك يطلق على ثلاث معان : أحدهما إيقاع الواجب خارج وقته على ما تقدم تحديده ، وثانيها : إيقاع الواجب بعد تعيينه بالشروع ومنه حجة القضاء ومنه قضاء النوافل إذا شرع فيها وهذا مغاير للقسم الأول ؛ لأن مفهوم قولنا خارج وقته مخالف لقولنا بعد تعينه بالشروع فإن بعدية الوقت غير بعدية الشروع ، وثالثها : ما وقع على خلاف وضعه في الشريعة مع قطع النظر عن الوقت والتعيين بالشروع ، ومنه قضاء المأموم ؛ لأن الركعتين الأخيرتين من العشاء إذا صليتا جهرا فهذا خلاف الوضع الشرعي فإن وضع الشريعة تقدم الجهر على السر فتأخيره خلاف الوضع الشرعي فهذه ثلاثة معان في الاصطلاح ويلحق بها قسم رابع عند الشافعي ومن قال بقوله : إن السنن تقضى لتقدم أسبابها لا للشروع فيها فيكون مفسرا عنده أيضا بإيقاع الفعل بعد تقدم سببه فهذه أربعة اصطلاحية .

وأما قوله تعالى { فإذا قضيت الصلاة } فذلك وضع لغوي لا اصطلاحي فيقال قضي الفعل إذا فعل كيف كان فقضى بمعنى فعل وهذا غير ما نحن فيه وحينئذ يصير لفظ القضاء يطلق باعتبار اللغة والاصطلاح على خمسة معان مختلفة أربعة منها اصطلاحية وواحد لغوي واللفظ إذا كان مشتركا بين معان مختلفة وحددنا بعض تلك المعاني لا يرد علينا غيره من تلك المعاني نقضا ولا سؤالا كما إذا حددنا العين بمعنى الحدقة بأنها عضو يتأتى به الإبصار فيقول السائل ينتقض عليك بعين الماء وبالذهب وغير ذلك مما يسمى عينا فلا يسمع هذا السؤال فإن الحقائق المختلفة أن تكون حدودها مختلفة فحينئذ لا يرد علينا حقيقة من تلك الحقائق الأربعة على تحديدنا القضاء بالموقع خارج الوقت ؛ لأنها معان مختلفة فاندفعت الأسئلة التي وردت من هذا الباب واستقام حد القضاء وحد الأداء وظهر حينئذ الفرق بين قاعدة ما تعين وقته فيوصف بالأداء والقضاء وبين قاعدة ما لا يتعين وقته فلا يوصف لا بالأداء ولا بالقضاء .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

وما قاله في الفرق السادس والستين صحيح .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق السادس والستون بين قاعدة ما تعين وقته فيوصف فيه بالأداء وبعده بالقضاء وبين قاعدة ما تعين وقته ولا يوصف فيه بالأداء ولا بعده بالقضاء والتعين في القسمين شرعي )

اعلم وفقني الله وإياك لما فيه رضاه أن تحرير الفرق بين هاتين القاعدتين يتوقف على بيان أمور : أحدها : أن الواجب قسمان : القسم الأول : الواجب الموسع وهو ما جعل الشارع لأدائه وقضائه من العبادات وقتا حدد طرفاه لمصلحة فيه معينا في حق كل مكلف بحيث لا يختلف وقت أدائه ولا وقت قضائه باختلاف الناس كالصوم عين الشارع لأدائه بالأمر الأول شهر رمضان في كل مكلف لمصلحة فيه ولقضائه ما بعده إلى شعبان بالأمر الثاني في حق كل مكلف أيضا بحيث لا يختلف واحد منهما باختلاف الناس .

والقسم الثاني : الواجب على الفور وهو ما جعل الشارع له من الفوريات وقتا مرتبا على ثبوت أمر يختلف باختلاف الناس لا لمصلحة فيه كالحج إذا قلنا : إنه على الفور ولم يعين له الشارع إلا ما كان عقيب الاستطاعة وهي تختلف باختلاف الناس بحيث لو [ ص: 80 ] تأخرت الاستطاعة تأخرت السنة أو تقدمت تقدمت السنة فصار تعيين الوقت تابعا للاستطاعة لا لمصلحة فيه فحينئذ تعين أوقات العبادات لمصالح فيها بحيث إنا نعتقد أن الله تعالى إنما عين شهر رمضان للصوم مثلا لمصلحة يشتمل عليها دون غيره طردا لقاعدة الشرع في رعاية المصالح على سبيل التفضل فإنا إذا لاحظنا الشرائع وجدناها مصالح في الأغلب أدركنا ذلك وخفي علينا في الأقل فقلنا : ذلك الأقل من جنس ذلك الأكثر كما لو جرت عادة ملك بأن لا يخلع الأخضر إلا على الفقهاء فإذا رأينا من خلع عليه الأخضر ولا نعلم قلنا : هو فقيه طردا لقاعدة ذلك الملك .

وهكذا لما كانت قاعدة الشرع رعاية المصالح في جانب الأوامر والمفاسد في جانب النواهي على سبيل التفضيل لا على سبيل الوجوب العقلي كما تقوله المعتزلة لزم أن نعتقد فيما لم نطلع فيه على مفسدة ولا مصلحة إن كان في جانب الأوامر أن فيه مصلحة وإن كان في جانب النواهي أن فيه مفسدة كأن نقول في أوقات الصلوات : إنها مشتملة على مصالح لا نعلمها وكذلك كل تعبدي معناه أن فيه مصلحة لا نعلمها .

وأما تعين أوقات الفوريات كرد المغصوب والودائع إذا طلبت والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقضية الحكام إذا نهضت الحجاج وإنقاذ الغريق وامتثال الأمر إذا قلنا : إنه على الفور فإن القاضي أبا بكر رحمه الله تعالى قال : لا بد من زمان للسماع وزمان للتأمل وتعرف معنى الخطاب وفي الزمن الثالث يكون الفعل زمانيا وبالتأخير عنه يوصف المكلف بالمخالفة فليس كذلك بل تبع للمأمورات وطريان الأسباب فتعين وقت إنقاذ الغريق تابع لسقوطه في البحر فلو تأخر سقوطه في البحر تأخر الزمان أو تعجل تعجل الزمان .

وتعين وقت امتثال الأمر إذا قلنا : إنه على الفور تابع لورود الصيغة فإن تقدمت تقدم الوقت أو تأخرت تأخر الوقت وتعين وقت أقضية الأحكام تابع لنهوض الحجاج لا لمصلحة في نفس الوقت وهكذا يقال في الباقي .

والأمر الثاني : أن الواجبات الفورية وإن حد الشارع لها زمانا وهو زمان الوقوع الذي أوله أول زمان التكليف وآخره الفراغ منها بحسبها في طولها وقصرها إلا أنه لما كان تابعا لما يختلف باختلاف الناس لا لمصلحة فيه ولم يكن محدود الطرفين بخلاف زمان العبادات لم يقل [ ص: 81 ] للواجبات الفورية إذا وقعت في وقتها المحدود لها شرعا أداء ولا إذا وقعت بعده قضاء بخلاف العبادات .

والأمر الثالث : أن الأداء هو إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعا لمصلحة اشتمل عليها الوقت بالأمر الأول فقيد في وقته يخرج القضاء وقيد المحدود له يخرج الواجب المغيا بجميع العمر كالإيمان بالله تعالى وقيد شرعا يخرج المحدود عرفا وقيد لمصلحة اشتمل عليها الوقت يخرج الواجبات الفورية المذكورة كلها ؛ لأن تحديد وقتها شرعا تابع لحصول أمر لا لمصلحة في الوقت كما علمت فلا يوصف الفعل بالأداء إلا إذا وقع في وقته المحدود لمصلحة فيه فوقت الأداء عندنا ، وعند الشافعية هو الكل لا جزء منه لا بعينه يتعين بالوقوع فيه سواء وقع في الكل أو البعض وعند الحنفية هو الجزاء الذي وقع فيه الفعل بمعنى أن وقت وجوب الأداء جزء من تلك الأجزاء لا بعينه وهو القدر المشترك بينهما يتعين بالوقوع فيه إن فعل في الوقت وإلا تعين بنفسه وهو الآخر فالوجوب للأداء عندهم إنما يتعلق مع الشروع في الفعل كما نص على ذلك السعد في شرح التوضيح أفاده الشربيني على حواشي محلي جمع الجوامع .

وأما القضاء فهو في اللغة فعل الشيء كيف كان وعليه قوله تعالى { فإذا قضيت الصلاة } أي فإذا فعلت ، وفي الاصطلاح له أربعة معان أحدها ما يقابل الأداء المذكور وهو إيقاع الواجب خارج وقته المحدود له شرعا لمصلحة اشتمل عليها الوقت بالأمر الثاني فقيد خارج وقته يخرج الأداء وقيد المحدود له شرعا يخرج المحدود وقته عرفا وقيد لمصلحة اشتمل عليها الوقت يخرج الواجبات الفورية ؛ لأن تحديد وقتها شرعا تابع لحصول أمر لا لمصلحة كما علمت فلا يوصف الفعل بالقضاء إلا إذا وقع خارج وقته المحدود لمصلحة فيه وقيد بالأمر الثاني لدفع نقض وهو أن الله تعالى جعل لقضاء رمضان جملة السنة كلها التي تلي شهر الأداء فهو واجب وقع في وقته المحدود له شرعا وليس أداء ، وحاصل الدفع أن قضاء رمضان وإن دخل في حد الأداء باعتبار أن الله تعالى عين له السنة تعيينا لا كسنة الحج لخصوص كونها تابعة للاستطاعة غير محدودة الطرفين بل إنما عينها له محدودة الطرفين لمصلحة يختص بها لا نعلمها لا لخصوص كونها تابعة لترك الصوم إلا أنه خرج عن [ ص: 82 ] حد الأداء بقيد بالأمر الأول وفيه ودخل في حد القضاء ولم يخرج منه بقيد بالأمر الثاني فيه فافهم .

وثانيها : إيقاع الواجب تعيينه بالشروع وعليه قول مالك وأبي حنيفة بقضاء ما شرع فيه من الطاعات وأبطله لوجوبها بالشروع على تفصيل عند الإمامين مذكور في كتب الفروع للفريقين ومنه حجة القضاء في الحج بعد الحجة الفاسدة .

وثالثها : ما وقع على خلاف وضعه في الشريعة مع قطع النظر عن الوقت والتعيين بالشروع ومنه قضاء المأموم المسبوق ما فاته مع الإمام فإن صلاته الركعتين اللتين فاتتاه مع الإمام من المغرب أو العشاء جهرا تسمى قضاء اتفاقا ؛ لأنهما لما صليتا جهرا وقد صارا أخيرين كانا على خلاف الوضع الشرعي من تقدم الجهر على السر ، وقولهم المأمور فيما فاته هل يكون قاضيا أو بانيا إنما هو خلاف بين العلماء في تعيين القضاء أي هل حكم الله تعالى ذلك أولا لا في أنه يسمى قضاء لو وقع كذلك فافهم .

ورابعها : إيقاع الفعل بعد تقدم سببه وعليه قول الشافعي ومن قال بقوله إن السنن تقضى لتقدم أسبابها لا للشروع فيها وبالجملة فمعاني لفظ القضاء خمسة مختلفة أربعة اصطلاحية وواحد لغوي فلا يرد صدقه باعتبار أحد معانيه على غير ما يصدق عليه حدنا له باعتبار معناه الآخر لا نقضا ولا سؤالا ألا ترى أنا إذا حددنا العين بمعنى الحدقة بأنها عضو يتأتى به الإبصار لا نلتفت للقول بنقضه بعين الماء وبالذهب وغير ذلك ضرورة أن المعاني المختلفة يجب أن تكون حدودها مختلفة فحينئذ استقام ما ذكر من حد القضاء وحد الأداء وظهر الفرق بين قاعدة ما تعين وقته بتحديد طرفيه لمصلحة فيه فيوصف بالأداء والقضاء وبين قاعدة ما تعين وقته بغير تحديد طرفيه لانتفاء المصلحة فيه بل تعيينا تابعا لتحقق أمر يختلف باختلاف الناس فلا يوصف لا بالأداء ولا بالقضاء .

وظهر أيضا أن المكلف إذا ما غلب على ظنه أنه لا يعيش إلى آخر الوقت ثم عاش أن الفعل يكون منه أداء ؛ لأن تعيين الوقت لم تكن المصلحة فيه بل تبع للظن الكاذب وهل هو قضاء قولان للقاضي والغزالي رحمهما الله تعالى وسيأتي عن ابن الشاط أن قول الغزالي بأنه قضاء دعوى لا حجة عليها ألبتة ثم اعلم أن العبادات باعتبار الاتصاف بالأداء والقضاء ثلاثة أقسام :

الأول ما يوصف بهما بالمعنى الأول الاصطلاحي [ ص: 83 ] كالصلوات الخمس ورمضان .

والثاني : ما لا يوصف بهما بالمعنى الأول الاصطلاحي وإنما يوصف بهما بالمعنى الثاني الاصطلاحي عند المالكية والأحناف أو بالمعنى الرابع عند الشافعية كالنوافل فافهم .

والثالث : ما يوصف بالأداء بالمعنى المتقدم فقط كالجمعة والله سبحانه وتعالى أعلم




الخدمات العلمية