الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        3944 - حدثنا روح بن الفرج ، قال : ثنا حامد بن يحيى ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، وابن أبي زائدة ، عن الشعبي ، وزكريا عن الشعبي ، وداود بن أبي هند قال : سمعت عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لائم الطائي يقول : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمزدلفة ، فقلت : يا رسول الله ، جئت من جبلي طيئ ، ووالله ما جئت حتى أتعبت نفسي وأنضيت راحلتي ، وما تركت جبلا من هذه الجبال إلا وقد وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟

                                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد معنا هذه الصلاة ، صلاة الفجر بالمزدلفة ، وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه ، وقضى تفثه .

                                                        قال سفيان : وزاد زكريا فيه - وكان أحفظ الثلاثة لهذا الحديث - قال : فقلت : يا رسول الله ، أتيت هذه الساعة من جبلي طيئ ، قد أكللت راحلتي ، وأتعبت نفسي ، فهل لي من حج ؟

                                                        فقال : من شهد معنا هذه الصلاة ، ووقف معنا حتى نفيض ، وقد كان وقف قبل ذلك بعرفة ، من ليل أو نهار فقد تم حجه ، وقضى تفثه .

                                                        قال سفيان : وزاد داود بن أبي هند ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين برق الفجر
                                                        ، ثم ذكر الحديث .

                                                        قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أن الوقوف بالمزدلفة فرض ، لا يجوز الحج إلا بإصابته .

                                                        واحتجوا في ذلك بقول الله عز وجل : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، وبهذا الحديث الذي رويناه .

                                                        وقالوا : ذكر الله عز وجل في كتابه المشعر الحرام ، كما ذكر عرفات ، وذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته ، فحكمها واحد ، لا يجزي الحج إلا بإصابتها .

                                                        [ ص: 209 ] وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا : أما الوقوف بعرفة ، فهو من صلب الحج الذي لا يجزئ الحج إلا بإصابته ، وأما الوقوف بمزدلفة ، فليس كذلك .

                                                        وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول الله عز وجل : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ليس فيه دليل على أن ذلك على الوجوب ؛ لأن الله عز وجل إنما ذكر الذكر ، ولم يذكر الوقوف ، وكل قد أجمع أنه لو وقف بمزدلفة ، ولم يذكر الله عز وجل أن حجه تام .

                                                        فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب ، ليس من صلب الحج ، فالموطن الذي يكون ذلك الذكر فيه ، الذي لم يذكر في الكتاب ، أحرى أن لا يكون فرضا .

                                                        وقد ذكر الله تعالى أشياء في كتابه من الحج ، ولم يرد بذكرها إيجابها ، حتى لا يجزي الحج إلا بإصابتها في قول أحد من المسلمين .

                                                        من ذلك قوله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ، وكل قد أجمع أنه لو حج ولم يطف بين الصفا والمروة ، أن حجه قد تم ، وعليه دم مكان ما نزل من ذلك .

                                                        فكذلك ذكر الله عز وجل المشعر الحرام في كتابه ليس في ذلك دليل على إيجابه حتى لا يجزئ الحج إلا بإصابته .

                                                        وأما ما في حديث عروة بن مضرس ، فليس فيه دليل أيضا على ما ذكروا ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال فيه : من صلى معنا صلاتنا هذه ، وقد كان أتى عرفة قبل ذلك من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه .

                                                        فذكر الصلاة ، وكل قد أجمع على أنه لو بات بها ، ووقف ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته ، أن حجه تام .

                                                        فلما كان حضور الصلاة مع الإمام المذكور في هذا الحديث ، ليس من صلب الحج الذي لا يجزئ الحج إلا بإصابته ، كان الموطن الذي تكون فيه تلك الصلاة ، الذي لم يذكر في الحديث ، أحرى أن لا يكون كذلك .

                                                        فلم يتحقق بهذا الحديث ذكر الفرض إلا لعرفة خاصة .

                                                        وقد روى عبد الرحمن بن يعمر الديلي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية