الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( حنفاء لله ) فقد تقدم ذكر تفسير ذلك وأنه الاستقامة على قول بعضهم ، والميل إلى الحق على قول البعض ، والمراد في هذا الموضع ما قيل من أنه الإخلاص ، فكأنه قال : تمسكوا بهذه الأمور التي أمرت ونهيت على وجه العبادة لله وحده لا على وجه إشراك غير الله به . ولذلك قال : غير مشركين به . وهذا يدل على أن الواجب على المكلف أن ينوي بما يأتيه من العبادة الإخلاص ، فبين تعالى مثلين للكفر لا مزيد عليهما في بيان أن الكافر ضار بنفسه غير منتفع بها . وهو قوله : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) قال صاحب " الكشاف " : إن كان هذا تشبيها مركبا ، فكأنه قيل : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس وراءه هلاك ، بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير ، فتفرقت أجزاؤه في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة . وإن كان تشبيها مفرقا فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء ، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله كالساقط من السماء ، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الذي يطرحه في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المختلفة . وقرئ بكسر الخاء والطاء وبكسر الفاء مع كسرهما ، وهي قراءة الحسن ، وأصلها تختطفه ، وقرئ " الرياح " ، ثم إنه سبحانه أكد ما تقدم فقال ذلك : ومن يعظم شعائر الله . واختلفوا فقال بعضهم : يدخل فيه كل عبادة . وقال بعضهم : بل المناسك في الحج . وقال بعضهم : بل المراد الهدي خاصة ، والأصل في الشعائر الأعلام التي بها يعرف الشيء ، فإذا فسرنا الشعائر بالهدايا فتعظيمها على وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أن يختارها عظام الأجسام حسانا جساما سمانا غالية الأثمان ويترك المكاس في شرائها ، فقد كانوا يتغالون في ثلاثة ويكرهون المكاس فيهن : الهدي والأضحية والرقبة . روي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبيه : أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك ، وقال بل أهدها ، وأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب

                                                                                                                                                                                                                                            والوجه الثاني : في تعظيم شعائر الله تعالى أن يعتقد أن طاعة الله تعالى في التقرب بها وإهدائها إلى بيته المعظم أمر عظيم لا بد وأن يحتفل به ويتسارع فيه : ( فإنها من تقوى القلوب ) أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات ، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها ؛ لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى من ارتبط به ، وإنما ذكرت القلوب لأن المنافق قد يظهر التقوى من نفسه ، ولكن لما كان قلبه خاليا عنها لا جرم لا يكون مجدا في أداء الطاعات ، أما المخلص الذي تكون التقوى متمكنة في قلبه فإنه يبالغ في أداء الطاعات على سبيل الإخلاص ، فإن قال قائل : ما الحكمة في أن الله تعالى بالغ في تعظيم ذبح الحيوانات هذه المبالغة ؟ فالجواب :

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية