الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2529 ص: وقد جاء ما استشهدنا به من حكم الإغماء في شعبان وشهر رمضان عن النبي - عليه السلام - متواترا كما ذكرنا، فمما روي عنه في ذلك: ما حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا زكرياء ، عن عمرو بن دينار ، أن محمد بن جبير أخبره، أنه سمع ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول: "إني لأعجب من الذين يصومون قبل رمضان، إنما قال رسول الله - عليه السلام -: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين".

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا إبراهيم بن بشار ، قال: ثنا سفيان ، قال: ثنا عمرو ، عن محمد ، عن ابن عباس قال: سمعته يقول. . . فذكر مثله.

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا روح، قال: ثنا حماد ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، عن النبي - عليه السلام -.

                                                حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عبد الله بن بكر وروح، قالا: ثنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك بن حرب قال: "دخلت على عكرمة فقال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول. . . فذكر مثله.

                                                [ ص: 468 ] حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا أبو داود (ح).

                                                وحدثنا ابن مرزوق، قال: نا وهب ، عن شعبة ، عن عمرو ، عن أبي البختري ، قال: "رأينا هلال رمضان، فأرسلنا رجلا إلى ابن عباس فسأله، فقال: قال رسول الله - عليه السلام -: إن الله قد مده لرؤيته، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة".

                                                التالي السابق


                                                ش: لما استشهد في جواب السؤال المذكور بمسألة إغماء الهلال في اليوم الثلاثين من شعبان ورمضان، ذكر ما روي فيه عن النبي - عليه السلام - متواترا، وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف أي جاء مجيئا متواترا، أراد به متكاثرا ; وليس المراد به التواتر المصطلح عليه.

                                                وأخرج في ذلك عن ابن عباس من ستة طرق صحاح:

                                                الأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري ، عن روح بن عبادة بن العلاء البصري روى له الجماعة، عن زكرياء بن إسحاق المكي روى له الجماعة، عن عمرو بن دينار المكي روى له الجماعة، عن محمد بن جبير بن مطعم المدني روى له الجماعة، عن عبد الله بن عباس .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث روح. . . إلى آخره نحوه سواء.

                                                قوله: "إني لأعجب من هؤلاء" أراد ابن عباس من كلامه هذا الإنكار على من كان يصوم قبل رمضان بيوم من غير رؤية الهلال ولا عد شعبان ثلاثين يوما.

                                                قوله: "إذا رأيتم الهلال" أي هلال رمضان، والهلال أول ليلة والثانية والثالثة، ثم هو قمر، والجمع: الأهلة.

                                                قال الكسائي : يقال أهل الهلال وأهل الهلال واستهل الهلال، ولا يقال: هل ولا أهللنا الهلال، والعرب تقول: أهل الشهر واستهل لا يقال غيره، والعرب تقول: أهل الصبي واستهل ولا تقول غيره.

                                                [ ص: 469 ] الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن إبراهيم بن بشار الرمادي وثقه ابن حبان ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن جبير ، عن ابن عباس .

                                                وأخرجه النسائي : أنا محمد بن عبد الله بن زيد، قال: أنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن جبير ، عن ابن عباس قال: "عجبت ممن يتقدم الشهر وقد قال رسول الله - عليه السلام -: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".

                                                الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن روح بن عبادة ، عن حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس .

                                                وأخرجه النسائي أيضا: أنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء وهو ثقة بصري أخو أبي العالية ، قال: أنا حبان بن هلال، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".

                                                الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق أيضا، عن عبد الله بن بكر السهمي البصري روى له الجماعة، وروح بن عبادة، كلاهما عن حاتم بن أبي صغيرة روى له الجماعة، وأبو صغيرة أبو أمه، وقيل: زوج أمه، وهو حاتم بن مسلم أبو يونس القشيري، وهو يروي عن سماك بن حرب بن أوس الكوفي، روى له الجماعة البخاري مستشهدا.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" بأتم منه: من حديث عبد الله بن بكر ، عن حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك قال: "دخلت على عكرمة في يوم قد أشكل علي [ ص: 470 ] أمن رمضان هو أم من شعبان؟ فأصبحت صائما، فقلت: إن كان من رمضان لم يسبقني، وإن كان من شعبان كان تطوعا، فدخلت على عكرمة وهو يأكل خبزا وبقلا ولبنا، فقال: هلم إلى الغداء. قلت: إني صائم. فقال: أحلف بالله لتفطرنه. قلت: سبحان الله. قال: أحلف بالله لتفطرنه. فلما رأيته لا يستثني أفطرت، فغدوت ببعض الشيء وأنا شبعان ثم قلت: هات. فقال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحابة أو غياية فأكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا، لا تستقبلوا رمضان بيوم من شعبان".

                                                وأخرجه النسائي مختصرا: أنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، قال: حدثنا ابن عباس ، عن رسول الله - عليه السلام - قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا".

                                                الخامس: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري -بفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة من فوق- واسمه سعيد بن فيروز الطائي الكوفي روى له الجماعة.

                                                وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا غندر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال: سمعت أبا البختري قال: "أهللنا رمضان ونحن بذات عرق، فأرسلنا رجلا إلى ابن عباس يسأله فقال ابن عباس : قال رسول الله - عليه السلام -: "إن الله قد أمده لرؤيته، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة".

                                                [ ص: 471 ] السادس: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة . . . إلى آخره.

                                                وأخرجه الدارقطني في "سننه": ثنا محمد بن مخلد، ثنا علي بن أبي داود، ثنا آدم بن أبي إياس ، نا شعبة ، حدثني عمرو بن مرة ، قال: سمعت أبا البختري الطائي يقول: "أهللنا هلال رمضان ونحن بذات الشقوق، فشككنا في الهلال، فبعثنا رجلا إلى ابن عباس ، فسأله فقال ابن عباس ، عن النبي - عليه السلام -: "إن الله أمده لرؤيته، فإن أغمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما".

                                                صحيح عن شعبة ، ورواه حصين وأبو خالد الدالاني ، عن عمرو بن مرة ، ولم يقل فيه: "عدة شعبان" غير آدم، وهو ثقة.




                                                الخدمات العلمية