الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات فقالوا وما المبشرات يا رسول الله قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1783 1736 - ( مالك عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ) مرسل ، وصله البخاري من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات ) - بكسر المعجمة المشددة - جمع مبشرة ، اسم فاعل للمؤنث من البشر ، وهو إدخال السرور ، والفرح على المبشر بالفتح ، وليس جمع البشرى لأنها اسم بمعنى البشارة .

                                                                                                          ووقع في البخاري بلفظ : " لم " التي تقلب المضارع إلى المضي بدل لن ، لكنه بمعنى الاستقبال ، عبر عنه بالمضي تحقيقا لوقوعه .

                                                                                                          قال في المصابيح : المقام مقتض للنفي بلن لدلالتها على النفي في المستقبل ، يعني أن الوحي ينقطع بموته فلا يبقى بعده ما يعلم به أنه الرؤيا الصالحة اه .

                                                                                                          وقيل : هو على ظاهره ; لأنه قال ذلك في زمانه ، واللام عهدية والمراد : نبوته ، أي لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات .

                                                                                                          ولمسلم عن ابن عباس : أنه قال ذلك في مرض موته ولفظه : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كشف الستارة ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه ، والناس صفوف خلف أبي بكر فقال : أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة " ، وللنسائي أنه : " ليس بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة " ، وهذا يؤيد التأويل الأول .

                                                                                                          ولأبي يعلى عن أنس مرفوعا : " أن الرسالة والنبوة قد انقطعت ، ولا نبي ولا رسول بعدي ولكن بقيت المبشرات " ، ( فقالوا : وما المبشرات يا رسول الله ؟ قال : الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح ) بنفسه ، ( أو ترى له ) - بضم التاء - أي يراها له غيره ، ( جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) ، ظاهر هذا مع الاستثناء أن الرؤيا نبوة ، وليس بمراد لما مر أن المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة ; لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه كمن قال : أشهد أن لا إله إلا الله رافعا صوته لا يسمى مؤذنا ، ولا يقال : إنه أذن وإن كانت جزءا من الأذان ، وكذا لو قرأ شيئا من القرآن وهو قائم ، لا يسمى مصليا وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة .

                                                                                                          ويؤيده حديث أم كرز - بضم الكاف ، وسكون الراء بعدها زاي - الكعبية ، قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ذهبت النبوة وبقيت المبشرات " ، أخرجه أحمد ، وابن ماجه ، وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان .

                                                                                                          قال المهلب ما [ ص: 561 ] حاصله : التعبير بالمبشرات خرج مخرج الأغلب ، فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله تعالى للمؤمن رفقا به ، ليستعد لما يقع قبل وقوعه .

                                                                                                          وقال ابن التين : معنى الحديث : أن الوحي ينقطع بموته ، ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ، ويرد عليه الإلهام ، فإن فيه إخبارا بما سيكون ، وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا ، ويقع لغير الأنبياء كما في مناقب عمر ، قد كان فيما مضى محدثون ، وفسر المحدث - بفتح الدال - بالملهم - بفتح الهاء - وقد أخبر كثير من الأولياء عن أمور مغيبة فكانت كما أخبروا .

                                                                                                          والجواب أن الحصر في المنام لكونه يشمل آحاد المؤمنين بخلاف الإلهام ، فيختص بالبعض ، ومع اختصاصه فإنه نادر ، فإنما ذكر المنام لشموله وكثرة وقوعه ، ويشير إلى ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " فإن يكن في أمتي أحد فعمر " ، وكأن السر في ندور الإلهام في زمنه ، وكثرته من بعده غلبة الوحي إليه - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة ، وإرادة إظهار المعجزات منه ، وكان المناسب أن لا يقع لغيره في زمانه منه شيء ، فلما انقطع الوحي بموته وقع الإلهام لمن اختصه الله به للأمن من اللبس في ذلك ، وفي إنكار ذلك مع كثرته واشتهاره ، مكابرة ممن أنكره ، قاله الحافظ .




                                                                                                          الخدمات العلمية