الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واليوم الموعود وشاهد ومشهود قوله تعالى : واليوم الموعود أي الموعود به . وهو قسم آخر ، وهو يوم القيامة ; من [ ص: 245 ] غير اختلاف بين أهل التأويل . قال ابن عباس : وعد أهل السماء وأهل الأرض أن يجتمعوا فيه .

وشاهد ومشهود اختلف فيهما ; فقال علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة - رضي الله عنهم - : الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة . وهو قول الحسن . ورواه أبو هريرة مرفوعا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة . . . " خرجه أبو عيسى الترمذي في جامعه ، وقال : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة ، وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث ، ضعفه يحيى بن سعيد وغيره . وقد روى شعبة وسفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عنه . قال القشيري فيوم الجمعة يشهد على كل عامل بما عمل فيه .

قلت : وكذلك سائر الأيام والليالي ; فكل يوم شاهد ، وكذا كل ليلة ; ودليله ما رواه أبو نعيم الحافظ عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس من يوم يأتي على العبد إلا ينادى فيه : يا بن آدم ، أنا خلق جديد ، وأنا فيما تعمل عليك شهيد ، فاعمل في خيرا أشهد لك به غدا ، فإني لو قد مضيت لم ترني أبدا ، ويقول الليل مثل ذلك . حديث غريب من حديث معاوية ، تفرد به عنه زيد العمي ، ولا أعلمه مرفوعا . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بهذا الإسناد . وحكى القشيري عن ابن عمر وابن الزبير أن الشاهد يوم الأضحى . وقال سعيد بن المسيب : الشاهد : التروية ، والمشهود : يوم عرفة . وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي - رضي الله عنه - : الشاهد يوم عرفة ، والمشهود يوم النحر . وقاله النخعي . وعن علي أيضا : المشهود يوم عرفة . وقال ابن عباس والحسين بن علي - رضي الله عنهما - : المشهود يوم القيامة ; لقوله تعالى : ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود .

قلت : وعلى هذا اختلفت أقوال العلماء في الشاهد ، فقيل : الله تعالى ; عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير ; بيانه : وكفى بالله شهيدا ، قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم . وقيل : محمد - صلى الله عليه وسلم - ; عن ابن عباس أيضا والحسين بن علي ; [ ص: 246 ] وقرأ ابن عباس فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ، وقرأ الحسين يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا .

قلت : وأقرأ أنا ويكون الرسول عليكم شهيدا . وقيل : الأنبياء يشهدون على أممهم ; لقوله تعالى : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد . وقيل : آدم . وقيل : عيسى ابن مريم ; لقوله : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم . والمشهود : أمته . وعن ابن عباس أيضا ومحمد بن كعب : الشاهد الإنسان ; دليله : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا . مقاتل : أعضاؤه ; بيانه : يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون . الحسين بن المفضل : الشاهد هذه الأمة ، والمشهود سائر الأمم ; بيانه : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس . وقيل : الشاهد : الحفظة ، والمشهود : بنو آدم . وقيل : الليالي والأيام . وقد بيناه .

قلت : وقد يشهد المال على صاحبه ، والأرض بما عمل عليها ; ففي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن هذا المال خضر حلو ، ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل - أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيدا يوم القيامة " . وفي الترمذي عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : يومئذ تحدث أخبارها قال : " أتدرون ما أخبارها " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها ، تقول عمل يوم كذا كذا كذا وكذا . قال : فهذه أخبارها " . قال حديث حسن غريب صحيح . وقيل : الشاهد الخلق ، شهدوا لله - عز وجل - بالوحدانية . والمشهود له بالتوحيد هو الله تعالى . وقيل : المشهود يوم الجمعة ; كما روى أبو الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة . . . " وذكر الحديث . خرجه ابن ماجه وغيره .

[ ص: 247 ] قلت : فعلى هذا يوم عرفة مشهود ; لأن الملائكة تشهده ، وتنزل فيه بالرحمة . وكذا يوم النحر إن شاء الله . وقال أبو بكر العطار : الشاهد الحجر الأسود ; يشهد لمن لمسه بصدق وإخلاص ويقين . والمشهود الحاج . وقيل : الشاهد الأنبياء ، والمشهود محمد - صلى الله عليه وسلم - ; بيانه : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة - إلى قوله تعالى - وأنا معكم من الشاهدين ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية