الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( وغالب الفضة والذهب فضة وذهب ) يعني فلا يصح بيع الخالصة بها ولا بيع بعضها ببعض إلا متساويا وزنا ولا يصح الاستقراض بها إلا وزنا ; لأنهما لا يخلوان عن قليل غش إذ هما لا ينطبعان عادة بدونه وقد يكون خلقيا فيعسر التمييز فصار كالرديء وهو والجيد سواء عند المقابلة بالجنس فيجعل الغش معدوما فلا اعتبار له أصلا ، بخلاف ما إذا غلب الغش فإن للمغلوب اعتبارا كما سيأتي . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وغالب الغش ليس في حكم الدراهم والدنانير فيصح بيعها بجنسها متفاضلا ) أي وزنا وعددا ; لأن الحكم للغالب فلا يضر التفاضل لجعل الغش مقابلا بالفضة أو الذهب الذي في الآخر ولكن يشترط التقابض قبل الافتراق لأنه صرف في البعض لوجود الفضة أو الذهب من الجانبين ويشترط في الغش أيضا ; لأنه لا يتميز إلا بضرر ، وكذا إذا بيعت بالفضة الخالصة أو الذهب الخالص لا بد أن يكون الخالص أكثر من الفضة أو الذهب الذي في المغشوش حتى يكون قدره بمثله والزائد بالغش على مثال بيع الزيتون بالزيت فاعتبر الفضة أو الذهب المغلوب بالمغشوش بالغالب حتى لا يجوز بيعه بجنسه إلا على سبيل الاعتبار ولم يعتبر الغش المغلوب بهما فجعل كأنه كله فضة أو ذهب ومنع بيعه متفاضلا .

                                                                                        والفرق أن الفضة أو الذهب المغلوب موجود حقيقة حالا بالوزن ومآلا بالإذابة لكونهما يخلصان منه بالإذابة فكانا موجودين حقيقة وحكما حتى يعتبرا في نصاب الزكاة بخلاف الغش المغلوب لأنه يحترق ويهلك ولا لون حتى لو عرف أن الفضة أو الذهب الذي في الغش الغالب يحترق ويهلك كان حكمه حكم النحاس الخالص فلا يعتبران أصلا ولا يجوز بيعه بجنسه متفاضلا إن كان موزونا للربا وفي الهداية ومشايخنا يعني مشايخ ما وراء النهر من بخارى وسمرقند لم يفتوا بجواز [ ص: 218 ] ذلك أي ببيعها بجنسها متفاضلا في العدالي والغطارفة مع أن الغش فيها أكثر من الفضة ; لأنها أعز الأموال في ديارنا فلو أبيح التفاضل فيها ينفتح باب الربا الصريح فإن الناس حينئذ يعتادون في الأموال النفيسة فيتدرجون ذلك في النقود الخالصة والغطارفة دراهم منسوبة إلى غطريف بكسر الغين المعجمة وسكون الطاء وكسر الراء بعدها الياء وآخرها الفاء ابن عطاء الكندي أمير خراسان أيام الرشيد وقيل هو خال الرشيد والعدالي بفتح العين المهملة وتخفيف الدال المهملة وباللام المكسورة وهي الدراهم المنسوبة إلى العدال وكأنه اسم ملك نسب إليه درهم فيه غش ، كذا في البناية والغش بمعنى المغشوش وهو غير الخالص ، كذا في القاموس .

                                                                                        [ ص: 217 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 217 ] ( قوله : لأنه لا يتميز إلا بضرر ) أي اشتراط قبض الغش ليس لذاته بل لأنه لا يمكن فصله عن الفضة الخالصة التي يشترط قبضها ، لا يقال إن النحاس الذي هو الغش موزون أيضا فقد وجد القدر فيشترط فيه التقابض لذاته لا لضرر تخلصه ; لأنا نقول وزن الدراهم غير وزن النحاس ونحوه فلم يجمعهما قدر وإلا لزم أن لا يجوز بيع القطن والزيت ونحوه مما يوزن إلا إذا كان الثمن من الدراهم مقبوضا في المجلس ولم يصح فيها السلم . ( قوله : والفرق أن الفضة أو الذهب إلخ ) قال الرملي عبارة الزيلعي والفرق بينهما أن الفضة المغلوبة أو الذهب المغلوب موجود حقيقة من حيث اللون ومآلا بالإذابة فإن [ ص: 218 ] الفضة أو الذهب يخلصان منه بالإذابة فكانا موجودين حقيقة وحكما حتى يعتبر ما فيه من الفضة والذهب من النصاب في الزكاة أيضا بخلاف الغش المغلوب بهما ; لأنه يحترق ويهلك ولا لون له في الحال أيضا إلخ وهو أفهم للمقصود مما هنا




                                                                                        الخدمات العلمية