الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وكذلك الشر والمعصية : ينبغي حسم مادته وسد ذريعته ودفع ما يفضي إليه إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة . مثال ذلك ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : { لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان } . وقال : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا ومعها زوج أو ذو محرم } . فنهى صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالأجنبية والسفر بها ; لأنه ذريعة إلى الشر . وروي { عن الشعبي : أن وفد عبد القيس لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم كان فيهم غلام ظاهر الوضاءة فأجلسه خلف ظهره . وقال : إنما كانت خطيئة داود النظر } وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كان يعس بالمدينة فسمع امرأة تتغنى بأبيات تقول فيها : [ ص: 371 ]

                هل من سبيل إلى خمر فأشربها هل من سبيل إلى نصر بن حجاج

                فدعا به . فوجده شابا حسنا فحلق رأسه فازداد جمالا فنفاه إلى البصرة لئلا تفتتن به النساء . وروي عنه : أنه بلغه أن رجلا يجلس إليه الصبيان فنهى عن مجالسته .

                فإذا كان من الصبيان من تخاف فتنته على الرجال أو على النساء منع وليه من إظهاره لغير حاجة أو تحسينه ; لا سيما بترييحه في الحمامات وإحضاره مجالس اللهو والأغاني ; فإن هذا مما ينبغي التعزير عليه .

                وكذلك من ظهر منه الفجور يمنع من تملك الغلمان المردان الصباح ويفرق بينهما ; فإن الفقهاء متفقون على أنه لو شهد شاهد عند الحاكم وكان قد استفاض عنه نوع من أنواع الفسوق القادحة في الشهادة فإنه لا يجوز قبول شهادته ويجوز للرجل أن يجرحه بذلك وإن لم يره فقد ثبت { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا . فقال : وجبت وجبت . ثم مر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال : وجبت وجبت . فسألوه عن ذلك فقال : هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا فقلت وجبت لها الجنة وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا فقلت وجبت لها النار . أنتم [ ص: 372 ] شهداء الله في الأرض } . مع أنه { كان في زمانه امرأة تعلن الفجور . فقال : لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت هذه } .

                فالحدود لا تقام إلا بالبينة . وأما الحذر من الرجل في شهادته وأمانته ونحو ذلك فلا يحتاج إلى المعاينة ; بل الاستفاضة كافية في ذلك وما هو دون الاستفاضة حتى أنه يستدل عليه بأقرانه كما قال ابن مسعود : " اعتبروا الناس بأخدانهم " . فهذا لدفع شره مثل الاحتراز من العدو . وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " احترسوا من الناس بسوء الظن " . فهذا أمر عمر مع أنه لا تجوز عقوبة المسلم بسوء الظن .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية