الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا أسلم الحربي في دار الحرب ثم ظهر المسلمون على تلك الدار ترك له ما في يده من ماله ورقيقه وولده الصغار لأن أولاده الصغار صاروا مسلمين بإسلامه تبعا فلا يسترقون والمنقولات في يده حقيقة وهي يد محترمة لإسلام صاحبها فلا يتملك ذلك عليه بالاستيلاء ولأنه صار محرزا ما في يده من المال بمنعة المسلمين وذلك سبب لتقرير ملك المسلم لا إبطال ملكه يوضحه أن يده إلى أمتعته أسبق من يد المسلمين فأما عقاره فإنها تصير غنيمة للمسلمين في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى : أستحسن فأجعل عقاره له لأنه ملك محترم له كالمنقول واستدل بحديث الكلبي ومحمد بن إسحاق رحمهما الله تعالى { أن نفرا من بني قريظة أسلموا حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم محاصرا لهم فأحرزوا بذلك أنفسهم وأموالهم } قال : وعامة أموالهم الدور والأراضي ولكنا نقول : هذه بقعة من بقاع دار الحرب فتصير غنيمة للمسلمين كسائر البقاع وهذا لأن اليد على العقار إنما تثبت حكما ودار الحرب ليست بدار الأحكام فلا معتبر بيده فيها قبل ظهور المسلمين عليها وبعد الظهور يد الغانمين فيها أقوى من يده فلهذا كانت غنيمة بخلاف المنقولات وتأويل الحديث إن صح في المنقول دون العقار وكذلك أولاده الكبار فيء لأنهم ما صاروا مسلمين بإسلامه ولا كانت له عليهم يد فهم كسائر أهل الحرب وكذلك زوجته الحبلى لأنها لا تصير مسلمة بإسلام زوجها فتكون فيئا ويده عليها يد حكمية بسبب النكاح ومثله لا يمنع الاغتنام كاليد على العقار وكذلك ما في بطنها فيء عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى : لا يكون فيئا لأن ما في بطنها مسلم بإسلام أبيه والمسلم لا يسترق أبدا كالولد المنفصل ولكنا نقول : الجنين في حكم جزء من أجزاء الأم وهي قد صارت فيئا بجميع أجزائها ألا ترى أنه لا يجوز أن يستثنى الجنين في إعتاق الأم كما لا يستثنى سائر أجزائها وكما أن في الإعتاق لا يصير الجنين مستثنى بعد ما ثبت الرق في الأم وهذا لأن الحكم في التبع لا يثبت ابتداء بل بثبوته في الأصل يظهر في التبع فيكون هذا في حق التبع بمنزلة بقاء الحكم والإسلام لا يمنع بقاء الرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية