الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا دخل المسلم أو الذمي دار الحرب تاجرا بأمان فأصاب هناك مالا ودورا ثم ظهر المسلمون على ذلك كله فهو له كله إلا الدور والأرضين فإنها فيء لأن يده يد صحيحة فإنه من أهل دار الإسلام فيكون هو المحرز بيده لأمواله وتكون يده دافعة لإحراز المسلمين تلك الأموال فأما الدور والأرضين فهي بقعة من بقاع دار الحرب فتصير مغنومة كسائر البقاع وتقرير هذا الكلام أن اليد على هذه البقعة من دار الحرب لا تقوى مقصودة بنفسها وإنما تقوى إذا ثبتت على جميع الدار فكانت هذه البقعة في حكم التبع وقد بينا أن ثبوت الحكم في التبع كثبوته في الأصل بخلاف المنقولات فاليد عليها تبقى مقصودة بنفسها وقد سبق ذلك من المسلم فكان هو المحرز لها يوضحه أن المسلم يتحقق منه الإحراز في المنقولات بأن يخرجها إلى دار الإسلام فيجعل أيضا محرزا لها بظهور المسلمين على الدار فأما العقار لا يتحول ولا يتحقق من المسلم إحرازه بالإخراج إلى دار الإسلام فإنما تصير محرزة بالغانمين ومن قاتل من كبار عبيده فهو فيء لأنه نزع نفسه من يده حين قاتل المسلمين فإن المسلم يمنع [ ص: 68 ] عبده من قتال المسلمين وإن لم يبق له عليه يد حقيقة كان فيئا كسائر عبيد أهل الحرب وإن كانت له امرأة حبلى فهي وما في بطنها فيء كما بينا وما كان له من وديعة عند مسلم أو ذمي أو حربي فهو له وليست بفيء أما ما كان عند مسلم أو ذمي فلا إشكال فيه وأما ما كان عند حربي فلأنه ما دام في دار الحرب فيده ثابتة على تلك الوديعة باعتبار يد مودعه وكونه حافظا له فتكون يده دافعة لإحراز المسلمين في ذلك المال بخلاف ما تقدم في ما إذا خرج إلى دار الإسلام .

( قال ) : وكذلك إن كان خرج إلى دار الإسلام قبل ذلك فإن كان مراده من هذا العطف ما أودعه عند مسلم أو ذمي فهو ظاهر وإن كان مراده ما أودعه عند حربي فهو يقوي قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويحتاج إلى الفرق بين هذا وبين ما سبق على ظاهر الرواية ووجه الفرق أن التاجر الذي دخل إليهم ماله كان محرزا بدار الإسلام ولم يبطل ذلك الإحراز إلا بإحراز المشركين إياه وذلك لا يوجد فيما إذا أودعه من الحربي إذا كان الحربي جاريا على وفاق ما أمر به فإذا بقي المال محرزا بدار الإسلام لا يملكه المسلمون بالاستغنام فأما الذي أسلم في دار الحرب فماله لم يصر محرزا بدار الإسلام فكان محلا للاستغنام إلا ما ثبتت عليه يد صحيحة دافعة للاستغنام وذلك غير موجود فيما إذا أودعه من أهل الحرب فإن أخذ المسلمون تلك الوديعة فاقتسموها في الغنيمة ثم جاء صاحبها أخذها بغير قيمة لأنه مال مسلم لم يحرزه المشركون وإن كان المشركون قتلوا هذا المسلم في دارهم وأخذوا ماله ثم ظهر عليهم المسلمون ردوه على ورثة المقتول قبل القسمة بغير شيء لأنهم لما قتلوه وأخذوا ماله فقد صاروا محرزين له فيملكونه ثم المسلمون يملكونه عليهم بالاغتنام فهو بمنزلة مال المسلم استولى عليه أهل الحرب وأحرزوه ثم وقع في الغنيمة وقد مات صاحبه فكان لوارثه أن يأخذه قبل القسمة بغير شيء لأنه قائم مقام مورثه في ملكه وحقوق ملكه وتمكنه من الأخذ كان لحق ملكه القديم فيقوم فيه وارثه مقامه وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يثبت لوارثه حق الأخذ واعتبر هذا بحق الشفعة وحق الخيار فإن ذلك لا يصير ميراثا عنه بعد موته فكذلك في حق المأسور .

ألا ترى أن هذا الحق دون ذلك الحق فإن للشفيع أن ينقض تصرف المشتري وليس للمالك القديم ذلك وإن كانوا اقتسموه ثم حضر ورثة المقتول أخذوا الأمتعة بالقيمة إن شاءوا ولم يأخذوا الذهب والفضة كما لو كان المورث حيا وإن كان هؤلاء المشركون أسلموا على دراهم وصالحوا لم يؤخذوا [ ص: 69 ] بشيء من مال المقتول لأن إسلامهم يقرر ملكهم ولا ضمان عليهم في دمه لأنهم قتلوه حين كانوا حربا للمسلمين فلم يكن عليهم ضمان دمه يومئذ ثم لا يجب بعد ذلك بإسلامهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية