الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإذا أقر الوارث بدين على أبيه ، ثم أقر عليه بدين بعده فسواء الإقرار الأول ، والإقرار الآخر ; لأن الوارث لا يعدو أن يكون إقراره على أبيه يلزمه فيما صار في يديه من ميراث أبيه كما يلزمه ما أقر به في مال نفسه وهو لو أقر اليوم لرجل عليه بدين وغدا لآخر لزمه ذلك كله ويتحاصان في ماله ، أو يكون إقراره ساقطا ; لأنه لم يقر على نفسه فلا يلزمه واحد منهما وهذا مما لا يقوله أحد علمته ، بل هما لازمان معا ، ولو كان معه وارث ، وكان عدلا حلفا مع شاهدهما ، ولو لم يكن عدلا كانت المسألة الأولى ويلزمه ذلك فيما في يديه دون ما في يدي غيره قال ، وإذا مات رجل وترك وارثا ، أو ورثة ، فأقر أحد الورثة في عبد تركه الميت أنه لرجل بعينه ، ثم عاد بعد فقال ، بل هو لهذا الآخر فهو للأول وليس للآخر فيه شيء ولا غرم على الوارث قال ، وكذلك لو [ ص: 53 ] وصل الكلام فقال هو لهذا ، بل هو لهذا كان للأول منهما ، وذلك أنه حينئذ كالمقر في مال غيره فلا يصدق على إبطال إقرار قد قطعه لآخر بأن يخرجه إلى آخر ، وليس في معنى الشاهد الذي شهد بما لا يملك لرجل ، ثم يرجع قبل الحكم فيشهد به لآخر قال ، وإذا مات الميت وترك ابنين فشهد أحدهما لرجل بدين فإن كان ممن تجوز شهادته أخذ الدين من رأس المال مما في يدي الوارثين جميعا إذا حلف المشهود له وإن كان ممن لا تجوز شهادته أخذ من يدي الشاهد له من دينه بقدر ما كان يأخذ منه لو جازت شهادته ; لأن موجودا في شهادته أنه إنما له في يدي المقر حق وفي يدي الجاحد حق ، فأعطيته من المقر ولم أعطه من الجاحد شيئا وليس هذا كما هلك من مال الميت ذاك كما لم يترك ، ألا ترى أنه لو ترك ألفين فهلكت إحداهما وثبت عليه دين ألف أخذت الألف ، وكذلك لو ثبت لرجل وصية بالثلث أخذ ثلث الألف ، وكانت الهالكة كما لم يترك ، ولو قسم الورثة ماله اتبع أهل الدين وأهل الوصية كل وارث بما صار في يديه حتى يأخذوا من يديه بقدر ما صار لهم ، ولو أفلسوا ، فأعطي أهل الدين دينهم من يدي من لم يفلس رجع به على من أفلس وهذا الشاهد لا يرجع أبدا على أخيه بشيء إنما هو أقر به قال ، ولو ترك الميت رجلا وارثا واحدا ، فأقر لرجل أن له هذا العبد بعينه ، ثم أقر به بعد لهذا فهو للأول ولا يضمن للآخر شيئا وسواء دفع العبد إلى المقر له الأول ، أو لم يدفعه لا فرق بينهما ، ولو زعمت أنه إذا دفعه إلى الأول ، ثم أقر به للآخر ضمن للآخر قيمة العبد ; لأنه قد استهلكه بدفعه إلى الأول قلت كذلك لو لم يدفعه من قبل أني إذا أجزت إقراره الأول ، ثم أردت أن أخرج ذلك من يدي الأول إلى الآخر بإقرار كنت أقررت في مال غيري فلا أكون ضامنا لذلك وسواء كان الوارث إذا كان منفردا بالميراث ممن تجوز شهادته ، أو لا تجوز في هذا الباب من قبل أن لا أقبل شهادته في شيء قد أقر به لرجل وخرج من ملكه إليه قال وهكذا لو أقر أن أباه ، أوصى لرجل بثلث ماله ، ثم قال ، بل ، أوصى به لهذا لم أقبل قوله من قبل أني قد ألزمته أن أخرج من يديه ثلث مال أبيه إليه فإذا أراد إخراجه إلى غيره جعلته خصما للذي استحقه أولا بإقراره فلا أقبل شهادته فيما هو فيه خصم له ، قال ، ولو اقتسم الورثة ، ثم لحق الميت دين ، أو وصية بشهادة وارث ، أو غير وارث فذلك كله سواء ويقال للورثة إن تطوعتم أن تؤدوا على هذا دينه وتثبتون على القسم فذلك وإن أبيتم بعنا لهذا في أحضر ما ترك الميت ونقضنا القسم بينكم ولم نبع على كل واحد منهم بقدر الدين ولا بقدر الوصية ، ألا ترى أنه لو ترك دارا وأرضا ورقيقا وثيابا ودراهم وترك دينا أعطينا صاحب الدين من الدراهم الحاضرة ولم نحبسه على غائب يباع ولم نبع له مال الميت كله وبعنا له من مال الميت بقدر دينه ، أو وصيته

التالي السابق


الخدمات العلمية