الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا [3]

                                                                                                                                                                                                                                        حكى أهل اللغة أنه يقال : جلا القوم عن منازلهم وأجليتهم هذا الفصيح ، وحكى أحمد بن يحيى ثعلب أجلوا ، وحكى غيره جلوا عن منازلهم يجلون ، واستعمل فلال على الجالية والجالة ، وقرأ أكثر الناس ، وهي اللغة الفصيحة المعروفة من كلام العرب التي نقلتها الجماعة التي تجب بها الحجة ، ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء) بكسر الهاء وضم الميم ، فممن قرأ بها : أبو جعفر وشيبة ونافع وعبد الله بن عامر وعاصم ، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ( عليهم الجلاء) بضم الهاء والميم . وقرأ أبو عمرو بن العلاء ( عليهم الجلاء) بكسر الهاء والميم . قال أبو جعفر : والقراءة الأولى كسرت فيها الهاء لمجاوزتها الياء فاستثقلت ضمة بعد ياء ، وأيضا فإن آخر مخرج الهاء عند مخرج الياء وضمت الميم لأن أصلها الضم فردت إلى أصلها ، وهذه القراءة البينة والقراءة الثانية على الأصل إلا أن الأعمش والكسائي لا يقرآن ( عليهم) إلا أن يلقى الميم ساكن ولا يعرف عن أحد من القراء من جهة صحيحة أنه قرأ ( عليهم) إلا حمزة ثم أنه خالف ذلك فقرأ فيهم ولم يضم إلا في عليهم وإليهم ولديهم إلا ابن كيسان احتج له في تخصيصه هذه الثلاثة ، فقال : عليهم وإليهم ولديهم ليست الياء فيهن ياء محضة ، وأصلها الألف لأنك تقول : على القوم ، فلهذا أقروها على ضمتها؛ لأن الياء أصلها الألف والياء في "في" ياء محضة . قال : وسألت أبا العباس لم قرأ الكسائي عليهم بكسر الهاء فلما قال : ( عليهم) ضمها؟ فقال : إنما كسرها اتباعا للياء؛ لأن الكسرة أخت الياء فلما اضطر [ ص: 390 ] إلى ضم الميم لالتقاء الساكنين لأن الضم أصلها كان الأولى أن يتبع الهاء الميم فيضمها أي لأن أصلها الضم وبعدها مضموم . قال أبو جعفر : وهذا أحسن ما قيل في هذا ، فأما قراءة أبي عمرو ( عليهم الجلاء) ففيها حجتان إحداهما أنه كسر الميم لالتقاء الساكنين . وهذه حجة لا معنى لها؛ لأنه إنما يكسر لالتقاء الساكنين ما لم يكن له أصل في الحركة فأما أن تدع الأصل وتجتلب حركة أخرى فغير جائز ، والحجة الأخرى صحيحة ، وهو إنما كسر الهاء اتباعا للياء؛ لأنه استثقل ضمة بعد ياء ، وكذلك أيضا استثقل ضمة بعد كسرة فأبدل منها كسرة إتباعا كما فعل بالهاء فقال ( عليهم الجلاء) ( لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ) أي مع الخزي الذي لحقهم في الدنيا من الجلاء . قال قتادة : الجلاء الخروج من بلد إلى بلد ، وقيل : معنى كتب حكم وهو مجاز ، وقيل : كتبه في اللوح المحفوظ .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية