الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والأظهر طهارة غسالة ) [ ص: 261 ] قليلة ( تنفصل بلا تغير وقد طهر المحل ) لأن البلل الباقي على المحل هو بعض المنفصل ، فلو كان المنفصل نجسا لكان المحل مثله فيكون المنفصل طاهرا غير طهور لاستعماله في خبث .

                                                                                                                            والثاني أنها نجسة لانتقال المنع إليها ، فلو انفصلت متغيرة والنجاسة غير ظاهرة على المحل أو عكسه فالماء والمحل نجسان .

                                                                                                                            ومثل ذلك لو انفصلت زائدة الوزن بعد اعتبار ما يتشربه المحل من الماء ويلقيه من الوسخ الطاهر .

                                                                                                                            أما الكثيرة فطاهرة ما لم تتغير وإن لم يطهر المحل أخذا مما مر في الطهارة ، ويطهر بالغسل مصبوغ ومخضوب بمتنجس إن انفصل الصبغ وإن بقي لونه المجرد كطهارة الصبغ المنفرد إذا غمره ماء وارد عليه .

                                                                                                                            وقد أفتى الوالد رحمه الله تعالى فيمن صبغ رأسه أو ثوبه أو لحيته بنجاسة مغلظة عالما بذلك وغسله بالماء والتراب وعسر إخراج لون الصبغ بطهره إذا انفصل صبغه عنه ولم يزد وزنه بعد غسله على وزنه قبل صبغه وإن بقي لونه لعسر زواله .

                                                                                                                            ولو صب على موضع نحو بول أو خمر من أرض ماء غمره طهر وإن لم ينضب ، فإن صب على عين نحو البول لم يطهر .

                                                                                                                            ولو عجن اللبن وخالطه نجاسة جامدة كروث لم يطهر ، وإن طبخ بعد ذلك وإن خالطه غيرها كبول طهر ظاهره بالغسل ، وكذا باطنه بالنقع في الماء ولو مطبوخا إن كان رخوا يصله الماء أو مدقوقا بحيث صار ترابا .

                                                                                                                            وإنما حكمنا بطهارة ظاهر الآجر بالغسل دون باطنه بخلاف ما مر في السكين حيث تطهر ظاهرا وباطنا بغسلها ، لأن الانتفاع بالآجر متأت من غير ملابسة ، فلا حاجة للحكم بطهارة باطنه من غير إيصال الماء إليه بخلاف السكين ، ولا يؤمر بسحقها لما فيه من تفويت ماليتها أو نقصها ، ولو فعل ذلك جاز أن [ ص: 262 ] تكون النجاسة داخل الأجزاء الصغار ، ولو تنجس زئبق طهر بغسلة ، ظاهره إن لم يتخلل بين تنجسه وغسله تقطع ، وإن تقطع بينهما فلا ، وعلى هاتين الحالتين يحمل كلام من قال بعدم إمكان تطهيره ومن قال بإمكانه ، ويستحب أن يغسل محل النجاسة بعد طهرها غسلتين لتكمل الثلاث ولو مخففة في الأوجه .

                                                                                                                            أما المغلظة فلا كما قاله الجيلوي في بحر الفتاوى في نشر الحاوي ، وبه جزم التقي ابن قاضي شهبة في نكت التنبيه ، لأن المكبر لا يكبر كالمصغر لا يصغر ، ومعنى أن المكبر لا يكبر أن الشارع بالغ في تكبيره فلا يراد عليه ، كما أن الشيء إذا صغر مرة لا يصغر أخرى ، وهذا نظير قولهم الشيء إذا انتهى نهايته في التغليظ لا يقبل التغليظ كالأيمان في القسامة وكقتل العمد وشبهه لا تغلظ فيه الدية وإن غلظت في الخطأ وهذا أقرب إلى القواعد ، ويقرب منه قولهم في الجزية : إن الجبران لا يضعف ، ولا يشترط في إزالة النجاسة نية وتجب إزالتها فورا إن عصى بها وإلا فلنحو صلاة .

                                                                                                                            نعم يسن المبادرة بإزالتها حيث لم تجب .

                                                                                                                            وأما العاصي بجنابته فلا يجب عليه المبادرة بالغسل كما بحثه الإسنوي ، لأن المتنجس متلبس بما عصى به بخلاف الجنب ، ولو أصاب شيء من غسلات الكلب شيئا فحكمه حكم المحل المنتقل عنه ، فإن كان بعد تتريبه غسله قدر ما بقي عليه من السبع ولم يترتب وإلا فعدد ما بقي مع التتريب .

                                                                                                                            أما المتطاير من أرض ترابية فقد تقدم الكلام عليه .

                                                                                                                            والمراد بغسالة النجاسة ما استعمل في واجب الإزالة .

                                                                                                                            أما المستعمل في مندوبها فطهور ، وما غسل به نجاسة معفو عنها كقليل دم غير طهور كما قاله ابن النقيب ، ويتعين في نحو الدم إذا أريد غسله بالصب عليه في نحو جفنة والماء قليل بإزالة عينه وإلا تنجس الماء بما بعد استقراره معها فيها ، ومال جمع متأخرون إلى [ ص: 263 ]

                                                                                                                            المسامحة مع زيادة الوزن ، لأن عند عدم الزيادة النجاسة في الماء والمحل أو أحدهما ، ولكن أسقط الشارع اعتباره فلم يفترق الحال بين الزيادة وعدمها .

                                                                                                                            ويرد بأنها حيث لم توجد فالماء قهر النجاسة وأعدمها فكأنها لم توجد ولا كذلك مع وجودها .

                                                                                                                            وأفتى بعضهم في مصحف تنجس بغير معفو عنه بوجوب غسله وإن أدى إلى تلفه ولو كان ليتيم ويتعين فرضه على ما فيه فيما إذا مست النجاسة شيئا من القرآن ، بخلاف ما إذا كانت في نحو الجلد أو الحواشي .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 261 ] قوله : بلا تغير إلخ ) وقع السؤال في الدرس كما يقع كثيرا أن اللحم يغسل مرارا ولا تصفو غسالته ثم يطبخ ويظهر في مرقته لون الدم هل يعفى عنه أم لا ؟ فأقول الظاهر الأول لأن هذا مما يشق الاحتراز عنه ويحتمل عدم العفو قياسا على الميتة التي لا دم لها سائل ، فإن محل العفو عنها حيث لم تغير ما وقعت فيه ( قوله : مصبوغ إلخ ) أي حيث كان الصبغ رطبا في المحل فإن جف الثوب المصبوغ بالمتنجس كفى صب الماء عليه وإن لم تصف غسالته حيث لم يكن الصبغ مخلوطا بأجزاء نجسة العين ، هذا حاصل ما كتبه سم عن الشارح على المنهج ( قوله : إن انفصل الصبغ ) هذا قد يفيد أنه لو استعمل للمصبوغ ما يمنع من انفصال الصبغ مما جرت به العادة من استعمال ما يسمونه فطاما للثوب كقشر الرمان ونحوه لم يطهر بالغسل للعلم ببقاء النجاسة فيه ، وهو ظاهر إن اشترط زوالها : إن كانت رطبة أو مخلوطة بنجس العين .

                                                                                                                            أما حيث لم يشترط زوالها بأن جفت فلا يضر استعمال ذلك ( قوله : ولم يزد وزنه ) أي الماء المنفصل ( قوله : وإن لم ينضب ) أي لم ينشف ففي المصباح : نضب الماء نضوبا من باب قعد غار في الأرض ، وينضب بالكسر لغة ( قوله : ولو عجن اللبن ) بكسر الباء ( قوله : لم يطهر ) أي وإن نقع في الماء ( قوله : ظاهر الآجر إلخ ) أي فيما لو خالطه نجاسة جامدة .

                                                                                                                            نعم نص الشافعي رضي الله عنه على العفو عما عجن من الخزف بنجس : أي يضطر إليه فيه ، واعتمده كثيرون وألحقوا به الآجر المعجون به انتهى حج .

                                                                                                                            وعليه فلا ينجس ما أصابه مع توسط رطوبة من أحد الجانبين ، ويصرح به قول الشارح فيما تقدم ، ومعنى قوله : لا يضر : أي بقاء لون أو ريح عسر زواله [ ص: 262 ] أنه طاهر حقيقة إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : زئبق ) كدرهم وزبرج مختار .

                                                                                                                            ( قوله : لا تغلظ فيه الدية ) أي فلو قتل محرما ذا رحم وفي الأشهر الحرم عمدا أو شبه عمد لا تغلظ ديته زيادة على ما أوجبه الشرع ، بخلاف ما لو فعل ذلك خطأ فإنه يغلظ فيه الدية .

                                                                                                                            ( قوله : قوله : م في الجزية إلخ ) وذلك فيما لو قال : قوم بدفع الجزية باسم الزكاة ولم يف ما يؤخذ منهم باسم الزكاة بدينار عن كل رأس فإن الزكاة تضاعف عليهم دون الجبران ( قوله : في إزالة النجاسة ) أي ولو مغلظة ( قوله : نية ) وهل يستحب أو لا فيه نظر ولا يبعد الأول ( قوله : بعدد ما بقي ) وعليه فلو غسل سبعا من غير تراب وتطاير من السابعة وجب غسله مرة فقط بتراب ، لأن السابعة لما خلت من التراب ألغيت وكأنه تطاير من السادسة ، والحكم فيها أن ما تطاير منها يغسل مرة لأن للمنتقل إليه حكم المنتقل عنه .

                                                                                                                            ( فرع ) لو اجتمع غسلات المغلظة فأصابه شيء منها فالوجه وجوب ست غسلات مطلقا ، لأن فيها غسالة الأولى والإصابة منها تقتضي الغسل ستا .

                                                                                                                            وأما الترتيب فعلى ما مر .

                                                                                                                            ونقل م ر عن شيخنا الرملي أنه أفتى بوجوب سبع غسلات ، وفيه نظر لأن كل واحدة من السبع لو أصابه منها شيء لم يجب التسبيع ، فكذا المجموع قم .

                                                                                                                            وأراد بما مر ما ذكره من أن الأوجه أنه إن كان ترب في الأولى لم يحتج للتتريب في شيء مما يأتي به من الغسلات الستة ، وإن لم يكن ترب فيها وجب التتريب وإن كان ترب في غيرها لأنه لم يترب في الأولى وقد اختلط ماؤها بغيره فوجب التتريب ( قوله : في مندوبها ) كالغسلة الثانية والثالثة ( قوله : معفو عنها ) وغسلها مندوب بل قد يجب كأن أراد استعمال الثوب على وجه يتنجس به ما لاقاه ( قوله : ومال جمع إلخ ) مقابل قوله أولا ، ومثل ذلك ما لو [ ص: 263 ] انفصلت زائدة الوزن إلخ ( قوله : في مصحف تنجس ) هل مثل المصحف كتب العلم الشرعي أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ( قوله : ولو كان ليتيم ) أي والغاسل له الولي ، وهل للأجنبي فعل ذلك في مصحف اليتيم بل وفي غيره لأن ذلك من إزالة المنكر أو لا ، فيه نظر ، والأقرب عدم الجواز لعدم علمنا بأن إزالة النجاسة منه مجمع عليه سيما ، وقد قال على ما فيه المشعر بالتوقف في حكمه من أصله ( قوله : على ما فيه ) أي من النظر ( قوله : في نحو الجلد ) ومنه ما بين السطور .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 261 ] قوله : وزنه ) أي الماء كما في حاشية شيخنا ، وهو متعين من حيث المعنى إذ الصورة أن الصبغ انفصل ولم يبق إلا اللون المجرد لكنه لا تقبله عبارة الفتاوى ( قوله : لم يطهر وإن طبخ ) أي لا ظاهرا ولا باطنا كما هو صريح السياق وصريح كلامهم خلافا لما وقع في حاشية الشيخ ( قوله : وإنما حكمنا بطهارة ظاهر الآجر ) أي إذا خالطه نجاسة غير جامدة ( قوله : بخلاف السكين ) أي ، فإنه لا يتأتى الانتفاع بها غالبا : أي بالملابسة : أي بالحمل ونحوه [ ص: 262 ] قوله : ومال جمع ) مقابل لقوله فيما مر ومثل ذلك ما لو انفصلت زائدة بعد اعتبار ما يشربه المحل إلخ ، فهذا الجمع يقول بطهارة المحل وإن زاد وزن الغسالة على الوجه المار .




                                                                                                                            الخدمات العلمية