الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم

قوله تعالى : فذكر أي فعظهم يا محمد وخوفهم . إنما أنت مذكر أي واعظ .

لست عليهم بمسيطر أي بمسلط عليهم فتقتلهم . ثم نسختها آية السيف . وقرأ هارون الأعور ( بمسيطر ) ( بفتح الطاء ) ، والمسيطرون . وهي لغة تميم . وفي الصحاح : " المسيطر والمصيطر : المسلط على الشيء ، ليشرف عليه ، ويتعهد أحواله ، . ويكتب عمله ، وأصله من السطر ; لأن من معنى السطر ألا يتجاوز ، فالكتاب مسطر ، والذي يفعله مسطر ومسيطر يقال : سيطرت علينا ، وقال تعالى : لست عليهم بمسيطر . وسطره أي صرعه .

إلا من تولى وكفر استثناء منقطع ، أي لكن من تولى عن الوعظ والتذكير .

فيعذبه الله العذاب الأكبر وهي جهنم الدائم عذابها . وإنما قال : الأكبر ; لأنهم عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والأسر والقتل . ودليل هذا التأويل قراءة ابن مسعود : إلا من تولى وكفر فإنه يعذبه الله . وقيل : هو استثناء متصل . والمعنى : لست بمسلط إلا على من تولى وكفر ، فأنت مسلط [ ص: 34 ] عليه بالجهاد ، والله يعذبه بعد ذلك العذاب الأكبر ، فلا نسخ في الآية على هذا التقدير . وروي أن عليا أتي برجل ارتد ، فاستتابه ثلاثة أيام ، فلم يعاود الإسلام ، فضرب عنقه ، وقرأ إلا من تولى وكفر . وقرأ ابن عباس وقتادة ألا على الاستفتاح والتنبيه ، كقول امرئ القيس :


ألا رب يوم لك منهن صالح [ ولا سيما يوم بدارة جلجل ]

ومن على هذا : للشرط . والجواب فيعذبه الله والمبتدأ بعد الفاء مضمر ، والتقدير : فهو يعذبه الله ; لأنه لو أريد الجواب بالفعل الذي بعد الفاء لكان : إلا من تولى وكفر يعذبه الله .

إن إلينا إيابهم أي رجوعهم بعد الموت . يقال : آب يئوب أي رجع . قال عبيد :


وكل ذي غيبة يئوب     وغائب الموت لا يئوب

وقرأ أبو جعفر ( إيابهم ) بالتشديد . قال أبو حاتم : لا يجوز التشديد ، ولو جاز لجاز مثله في الصيام والقيام . وقيل : هما لغتان بمعنى . الزمخشري : وقرأ أبو جعفر المدني ( إيابهم ) بالتشديد ووجهه أن يكون فيعالا : مصدر أيب ، قيل من الإياب . أو أن يكون أصله إوابا فعالا من أوب ، ثم قيل : إيوابا كديوان في دوان . ثم فعل ما فعل بأصل سيد ونحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية