الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين )

                                                                                                                                                                                                                                            النوع الثاني من الدلائل: الاستدلال بخلقة السماوات وهو قوله تعالى : ( ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين ) .

                                                                                                                                                                                                                                            فقوله: ( سبع طرائق ) أي: سبع سماوات، وإنما قيل لها: طرائق ، لتطارقها، بمعنى كون بعضها فوق بعض [ ص: 77 ] يقال: طارق الرجل نعليه : إذا أطبق نعلا على نعل، وطارق بين ثوبين : إذا لبس ثوبا فوق ثوب; هذا قول الخليل والزجاج والفراء، قال الزجاج : هو كقوله: ( سبع سماوات طباقا ) [الملك : 3] وقال علي بن عيسى : سميت بذلك لأنها طرائق للملائكة في العروج والهبوط والطيران، وقال آخرون: لأنها طرائق الكواكب فيها مسيرها. والوجه في إنعامه علينا بذلك أنه تعالى جعلها موضعا لأرزاقنا بإنزال الماء منها، وجعلها مقرا للملائكة، ولأنها موضع الثواب، ولأنها مكان إرسال الأنبياء ونزول الوحي.

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( وما كنا عن الخلق غافلين ) ففيه وجوه.

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها: ما كنا غافلين بل كنا للخلق حافظين من أن تسقط عليهم الطرائق السبع فتهلكهم ، وهذا قول سفيان بن عيينة ، وهو كقوله تعالى : ( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ) [فاطر: 41].

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها: إنما خلقناها فوقهم لننزل عليهم الأرزاق والبركات منها, عن الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها: أنا خلقنا هذه الأشياء فدل خلقنا لها على كمال قدرتنا، ثم بين كمال العلم بقوله: ( وما كنا عن الخلق غافلين ) يعني عن أعمالهم وأقوالهم وضمائرهم، وذلك يفيد نهاية الزجر. ورابعها: وما كنا عن خلق السماوات غافلين بل نحن لها حافظون; لئلا تخرج عن التقدير الذي أردنا كونها عليه ، كقوله تعالى : ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) [الملك : 3].

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن هذه الآية دالة على كثير من المسائل، إحداها: أنها دالة على وجود الصانع ; فإن انقلاب هذه الأجسام من صفة إلى صفة أخرى تضاد الأولى مع إمكان بقائها على تلك الصفة ، يدل على أنه لا بد من محول ومغير. وثانيتها: أنها تدل على فساد القول بالطبيعة، فإن شيئا من تلك الصفات لو حصل بالطبيعة لوجب بقاؤها وعدم تغيرها، ولو قلت: إنما تغيرت تلك الصفات لتغير تلك الطبيعة ، افتقرت تلك الطبيعة إلى خالق وموجد. وثالثتها: تدل على أن المدبر قادر عالم; لأن الموجب والجاهل لا يصدر عنه هذه الأفعال العجيبة. ورابعتها: تدل على أنه عالم بكل المعلومات قادر على كل الممكنات. وخامستها: تدل على جواز الحشر والنشر ; نظرا إلى صريح الآية ونظرا إلى أن الفاعل لما كان قادرا على كل الممكنات وعالما بكل المعلومات وجب أن يكون قادرا على إعادة التركيب إلى تلك الأجزاء كما كانت. وسادستها: أن معرفة الله تعالى يجب أن تكون استدلالية لا تقليدية وإلا لكان ذكر هذه الدلائل عبثا.

                                                                                                                                                                                                                                            النوع الثالث: الاستدلال بنزول الأمطار وكيفية تأثيراتها في النبات .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية