الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ( 7 ) )

يقول تعالى ذكره : ( وأوحينا إلى أم موسى ) حين ولدت موسى ( أن أرضعيه ) .

وكان قتادة يقول ، في معنى ذلك ( وأوحينا إلى أم موسى ) : قذفنا في قلبها .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأوحينا إلى أم موسى ) وحيا جاءها من الله ، فقذف في قلبها ، وليس بوحي نبوة ، أن أرضعي موسى ، ( فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني ) . . . الآية . .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : ( وأوحينا إلى أم موسى ) قال : قذف في نفسها .

حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : أمر فرعون أن يذبح من ولد من بني إسرائيل سنة ، ويتركوا سنة ; فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت بموسى ; فلما أرادت وضعه ، حزنت من شأنه ، فأوحى الله إليها ( أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ) . [ ص: 520 ]

واختلف أهل التأويل في الحال التي أمرت أم موسى أن تلقي موسى في اليم ، فقال بعضهم : أمرت أن تلقيه في اليم بعد ميلاده بأربعة أشهر ، وذلك حال طلبه من الرضاع أكثر مما يطلب الصبي بعد حال سقوطه من بطن أمه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : ( أن أرضعيه فإذا خفت عليه ) قال : إذا بلغ أربعة أشهر وصاح ، وابتغى من الرضاع أكثر من ذلك ( فألقيه ) حينئذ ( في اليم ) فذلك قوله : ( فإذا خفت عليه ) .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، قال : لم يقل لها : إذا ولدتيه فألقيه في اليم ، إنما قال لها : ( أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ) بذلك أمرت ، قال : جعلته في بستان ، فكانت تأتيه كل يوم فترضعه ، وتأتيه كل ليلة فترضعه ، فيكفيه ذلك .

وقال آخرون : بل أمرت أن تلقيه في اليم بعد ولادها إياه ، وبعد رضاعها .

ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : لما وضعته أرضعته ، ثم دعت له نجارا ، فجعل له تابوتا ، وجعل مفتاح التابوت من داخل ، وجعلته فيه ، فألقته في اليم .

وأولى قول قيل في ذلك بالصواب ، أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر أم موسى أن ترضعه ، فإذا خافت عليه من عدو الله فرعون وجنده أن تلقيه في اليم . وجائز أن تكون خافتهم عليه بعد أشهر من ولادها إياه ; وأي ذلك كان ، فقد فعلت ما أوحى الله إليها فيه ، ولا خبر قامت به حجة ، ولا فطرة في العقل لبيان أي ذلك كان من أي ، فأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال جل ثناؤه ، واليم الذي أمرت أن تلقيه فيه هو النيل .

كما حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( فألقيه في اليم ) قال : هو البحر ، وهو النيل . وقد بينا ذلك بشواهده ، وذكر الرواية فيه فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته . [ ص: 521 ]

وقوله : ( ولا تخافي ولا تحزني ) يقول : لا تخافي على ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه ، ولا تحزني لفراقه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ( ولا تخافي ولا تحزني ) قال : لا تخافي عليه البحر ، ولا تحزني لفراقه ; ( إنا رادوه إليك ) .

وقوله : ( إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) يقول : إنا رادوا ولدك إليك للرضاع لتكوني أنت ترضعيه ، وباعثوه رسولا إلى من تخافينه عليه أن يقتله ، وفعل الله ذلك بها وبه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( إنا رادوه إليك ) وباعثوه رسولا إلى هذا الطاغية ، وجاعلو هلاكه ، ونجاة بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء على يديه .

التالي السابق


الخدمات العلمية