الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمد بن طريف ) بفتح الطاء المهملة ( الكوفي حدثنا أبو بكر بن عياش ) أي : المقرئ تلميذ الإمام عاصم ( عن عاصم عن أبي وائل ) واسمه شقيق بن أبي سلمة كما قاله ميرك ( عن حذيفة قال لقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض طرق المدينة ) أي : سككها ، وفي بعض النسخ المقروءة المصححة بلفظ طريق ، ولعل وجهه أن يراد به الجنس ( فقال أنا محمد وأنا أحمد وأنا نبي الرحمة ) لقوله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين أي : من المؤمنين والكافرين ؛ لأن ما بعثت به سبب سعادتهم وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم ، وقيل كونه رحمة للكفار أمنهم به من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال على ما ذكره البيضاوي ، وفي [ ص: 229 ] رواية أنا نبي الرحمة ( ونبي التوبة ) قال الإمام : معاني الثلاثة متقاربة إذ المقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - جاء بالتوبة والرحمة وأمر بالتوبة وبالتراحم ونص عليهما وأن أمته توابون رحماء كما وصفهم الله تعالى بقوله التائبون وبقوله رحماء بينهم .

والحاصل أن هاتين الصفتين في أمته تكونان موجودتين أكثر من سائر الأمم ويكفي هذا القدر في الاختصاص مع أنه لا يلزم من وصف الشيء بشيء نفيه عما عداه وأغرب الحنفي حيث قال أو لأنه قبل من أمته التوبة بمجرد الاستغفار ، زاد ميرك بخلاف الأمم السابقة واستدل بقوله تعالى ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول الآية ، وهذا قول لم يقل به أحد من العلماء فهو خلاف إجماع الأمة ، وقد قال تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون وقال عز وجل ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا وقد قال - صلى الله عليه وسلم - التوبة النصوح الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله ، ثم لا تعود إليه أبدا ، وأركان التوبة على ما قاله العلماء ثلاثة الندم والقلع والعزم على أن لا يعود ، ولا أحد جعل الاستغفار اللساني شرطا للتوبة نعم للتوبة باعتبار تعلقها بحقوق العباد وببعض حقوق الله شروط ليس هذا محل بسطها وأغرب من ذلك ما قاله ابن حجر من أن قبول التوبة بشروطها المذكورة في كتب الفقه من جملة ما خففه الله ببركته على هذه الأمة ، وهذا أيضا غير مستقيم ؛ لأن آدم عليه السلام أول من تاب الله عليه ، وقصة قاتل المائة وتوبته معروفة مشهورة في الروايات الصحيحة نعم شدد على قوم موسى حين عبدوا العجل فجعل من شرائط توبتهم قتل أنفسهم ، وهذا لا يدل على تخصيص التوبة بهذه الأمة فإنه مخالف لأقوال جميع الأئمة ( وأنا المقفي ) بفتح القاف وكسر الفاء المشددة أي : الذي قفى آثار من سبقه من الأنبياء وتبع أطوار من تقدمه من الأصفياء لقوله تعالى أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وحاصله أنه متبع للأنبياء في أصل التوحيد ومكارم الأخلاق ، وإن كان مخالفا لبعضهم في بعض الفروع بالاتفاق ، وقال صاحب النهاية هو المولي الذاهب ، يعني أنه آخر الأنبياء المتبع لهم فإذا قفى لا نبي بعده ، وفي معناه العاقب والحمل على المعنى الأول أولى كما لا يخفى وروي بصيغة المفعول كما في بعض النسخ أي : أنا الذي قفي بي على آثار الأنبياء أي : أرسلت إلى الناس بعدهم وختم بي الرسالة يقال : قفوت أثر فلان أي : تبعته وقفيت على أثره بفلان أي : أتبعته إياه قال الله تعالى ثم قفينا على آثارهم برسلنا فحذف حرف الصلة في الحديث تخفيفا ( ونبي الملاحم ) بفتح الميم وكسر الحاء المهملة جمع الملحمة ، وهي الحرب ذات القتال الشديد وسمي بها لاشتباك الناس فيها كالسدى واللحمة في الثوب ، وقيل لكثرة لحوم القتلى فيها ، وفيه إشارة إلى كثرة الجهاد مع الكفار في أيام دولته وكذا بعده مستمر في أمته إلى أن يقتل آخرهم الدجال ، والله أعلم بالأحوال ، وفي القاموس سمي نبي الملاحم ؛ لأنه سبب لالتيامهم واجتماعهم ، وقال شارح : الملحمة الوقعة العظيمة في الفتنة قال العلماء : وإنما اقتصر على هذه الأسماء [ ص: 230 ] لأنها موجودة في الكتب السابقة ومعلومة للأمم السالفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية