الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1890 - وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة ، وللجنة أبواب ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان " فقال أبو بكر : ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : " نعم وأرجو أن تكون منهم " . متفق عليه .

التالي السابق


1890 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أنفق زوجين " ) أي : شفعا من جنس ، قال ابن الملك : الزوج يطلق على الاثنين وعلى الواحد منهما ; لأنه زوج من آخر وهو المراد هنا اهـ . فالمراد من الزوجين الاثنان من جنس واحد لا الصنفان كما توهم ابن حجر ، فتدبر ، قال الطيبي : كدرهمين أو دينارين أو مدين من الطعام وما أشبه ذلك ، وسئل أبو ذر في بعض الروايات : ما الزوجان ؟ قال : فرسان أو عبدان أو بعيران ، ويحتمل أن يراد التكرير والمداومة على الصدقة وهو الأولى ، والمعنى أنه يشفع صدقته بأخرى اهـ . ويمكن أن يراد بهما صدقتان إحداهما سر والأخرى علانية لقوله - تعالى - الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون وقيل أي : صلاتين أو صومين حملا للحديث على جميع أعمال البر ، وهو بعيد جدا إلا أن يحمل على أن الصلاة والصوم النافلة للفقراء بمنزلة الصدقة للأغنياء ( من شيء من الأشياء ) أي : الزوجان غير مقيد بصنف من الأصناف ونوع من الأنواع ( في سبيل الله ) أي : في مرضاته من أبواب الخير .

وقيل : مخصوص بالجهاد ، قال النووي : والأول أصح وأظهر يعني وأعم وأتم وأشهر فتدبر " دعي من أبواب الجنة " أي : دعته الخزنة من جميع أبوابها ، وفيه تنبيه أنه عمل عملا يوازي الأعمال يستحق بها الدخول من تلك الأبواب على أجمل الأحوال ، ويمكن أن يكون التقدير من أحد أبوابها لما سيجيء أن الصدقة لها باب ، ويقويه سؤال الصديق " وللجنة أبواب " أي : ثمانية كما في الأحاديث الصحيحة ، قال الطيبي : ذكره استطرادا وفيه أن المناسبة ظاهرة جدا وهو أن كل باب منها يسمى بباب عبادة من أمهات الطاعة يدخل منها من غلب عليه تلك العبادة ومن استكثر منها ، كلها بوصف الزيادة ، دعي من جميع الأبواب الواردة تكريما لأرباب الوفادة كما أشير إليه بقوله " فمن كان من أهل الصلوات " أي : ممن يكثر النفل ؛ ذكره الطيبي أو ممن يحسنها " دعي من باب الصلاة " أي : أولا وهو أفضل [ ص: 1335 ] الأبواب يعني : قيل : يا عبد الله ادخل الجنة من هذا الباب " ومن كان من أهل الجهاد " أي : يغلب عليه الجهاد " دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان " أي : من باب الصيام المسمى باب الريان ضد العطشان ، قيل : وهو باب يسقي الصيام فيه شرابا طهورا قبل وصوله إلى وسط الجنة ليزول عطشه ، وقال الطيبي : إن كان اسما للباب فلا كلام وإلا فهو من الرواء بضم الراء وهو الماء الذي يروي يقال : روى يروي فهو ريان أي : الصائم بتعطشه في الدنيا يدخل من باب الريان ليأمن العطش اهـ . وروى الحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن للجنة بابا يقال له باب الضحى ، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى ؟ هذا بابكم فادخلوه برحمة الله " ذكره ابن القيم في الهدي .

وجاء في حديث آخر باب التوبة وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وباب الراضين ، وجاء في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم يدخلون من باب الأيمن ، قال عياض : ولعله الثامن " فقال أبو بكر : ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة " ما نافية ومن زائدة وهي اسم ما ، أي : ليس ضرورة واحتياج على من دعي من باب واحد من تلك الأبواب إن لم يدع من سائرها لحصول المقصود وهو دخول الجنة ، وهذا نوع تمهيد قاعدة السؤال في قوله " فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها " أي : سألت عن ذلك بعد معرفتي بأن لا ضرورة ولا احتياج لمن يدعى من باب واحد إلى الدعاء من سائر الأبواب إذ يحصل مراده بدخول الجنة " قال : نعم " أي : يكون جماعة يدعون من جميع الأبواب تعظيما وتكريما لهم ; لكثرة صلاتهم وجهادهم وصيامهم وغير ذلك من أبواب الخير " وأرجو أن تكون منهم " لأنه - رضي الله عنه - كان جامعا لهذه الخيرات كلها كما سيأتي في الحديث الآتي .

وفي رواية قال أبو بكر : يا رسول الله ذلك الذي لا توى بفتح الفوقية والقصر أي : لا ضياع ولا هلاك ولا خسارة ( متفق عليه ) وفي رواية النسائي دعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ، أي : لك ، على زعمه ، وفائدة ذلك إظهار تعظيمه وتفخيمه .




الخدمات العلمية