الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                135 ص: حدثنا فهد بن سليمان ، قال: ثنا أبو كريب محمد بن العلاء، قال: ثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، عن عبيد الله الخولاني ، عن عبد الله بن عباس قال: " دخل علي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقد أراق الماء، فدعا بإناء فيه ماء ، فقال: يا ابن عباس ألا أتوضأ لك كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ؟ قلت: بلى فداك أبي وأمي، فذكر حديثا طويلا، وذكر فيه أنه أخذ حفنة من ماء بيديه جميعا فصك بهما وجهه، ثم الثانية مثل ذلك، ثم الثالثة مثل ذلك، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم أخذ كفا من ماء بيده اليمنى فصبها على ناصيته، ثم أرسلها تستن على وجهه، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا، واليسرى كذلك، ثم مسح برأسه، وظهور أذنيه". .

                                                التالي السابق


                                                ش: رجاله ثقات.

                                                وعبدة بفتحات قيل: اسمه عبد الرحمن ، وعبدة لقب عليه.

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ، نا محمد يعني ابن سلمة ، [ ص: 289 ] عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، عن عبيد الله الخولاني ، عن ابن عباس قال: "دخل علي علي بن أبي طالب ، وقد أهراق الماء، فدعا بوضوء، فأتيناه بتور فيه ماء حتى وضعنا بين يديه، فقال: يا ابن عباس ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله - عليه السلام -؟ قلت: بلى، فأصغى الإناء على يديه فغسلهما، ثم أدخل يده اليمنى، وأفرغ بها على الأخرى، ثم غسل كفيه ثلاثا، ثم تمضمض، واستنثر، ثم أدخل يديه في الإناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء، فضرب بها على وجهه، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية، ثم الثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء، فصبها على ناصيته فتركها تستن على وجهه، ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثا، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل ففتلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك، قال: قلت: وفي النعلين؟! قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين؟! قال: وفي النعلين؟! قال: قلت: وفي النعلين؟! قال: وفي النعلين" .

                                                وأخرجه أحمد ، والبيهقي أيضا: وقال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: لا أدري ما هذا الحديث، وقال البيهقي : فكأنه رأى حديث عطاء بن يسار أصح.

                                                وحديث عطاء ما رواه زيد بن أسلم عنه قال: "قال لي ابن عباس : ألا أريك وضوء رسول الله - عليه السلام - فتوضأ مرة مرة، ثم غسل رجليه وعليه نعله" .

                                                أخرجه الجماعة بألفاظ مختلفة.

                                                [ ص: 290 ] قلت: هذا الحديث إسناده جيد، ولكن الجواب عنه أن قوله: "فأخذ حفنة من ماء" يحتمل أن تلك الحفنة قد وصلت إلى ظاهر القدم وباطنه وإن كان في النعل، ويدل على ذلك قوله: ففتلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك، والحفنة من الماء ربما كفت مع الرفق في مثل هذا، ولو كان أراد المسح على بعض القدم لكان يكفيه ما دون الحفنة، وسيجيء البحث فيه مستقصى في باب فرض الرجلين في وضوء الصلاة، إن شاء الله.

                                                قوله: "ألا" كلمة تنبيه.

                                                قوله: "بلى" حرف جواب، وألفه أصلية، وقيل: أصله "بل" والألف زائدة، والفرق بينها وبين "نعم" أن "بلى" حرف إيجاب بعد النفي، و"نعم" تصديق لما قبله نفيا كان أو إثباتا.

                                                قوله: "فداك أبي وأمي" معناه أنت مفدى بأبي وأمي، والفدا بفتح الفاء والقصر، وإذا كسرت الفاء تمد، يقال: فداه يفديه فداء، وفدى، وفاداه يفاديه مفاداة إذا أعطى فداءه وأنقذه، وفداه بنفسه، وفداه إذا قال له: جعلت فداك، وقيل: المفاداة: أن يفتك الأسير بأسير مثله.

                                                قلت: فدى الأسير معناه افتكه بمال، وإذا أخذ مالا ودفع الأسير يقال: أفداه، وإذا دفع أسيرا وأخذ أسيرا عوضه يقال: فاداه.

                                                قوله: "فصك" أي ضرب، ومنه قوله تعالى: فصكت وجهها

                                                قوله: "ثم ألقم إبهاميه" أي أدخلهما، من الإلقام، كأنه جعلهما لقمة لأذنيه.

                                                قوله: "يستن" بالسين المهملة أي يسيل وينصب، من سننت الماء إذا صببته صبا سهلا.

                                                [ ص: 291 ] قوله: "وظهور أذنيه" أي مسح ظهري أذنيه، أطلق الجمع على التثنية مجازا كما في قوله: فقد صغت قلوبكما أي قلباكما.




                                                الخدمات العلمية