الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها

قوله تعالى : كذبت ثمود بطغواها أي بطغيانها ، وهو خروجها عن الحد في العصيان قاله مجاهد وقتادة وغيرهما . وعن ابن عباس بطغواها أي بعذابها الذي وعدت به . قال : وكان اسم العذاب الذي جاءها الطغوى ; لأنه طغى عليهم . وقال محمد بن كعب : [ ص: 70 ] بطغواها بأجمعها . وقيل : هو مصدر ، وخرج على هذا المخرج ; لأنه أشكل برءوس الآي . وقيل : الأصل بطغياها ، إلا أن فعلى إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واوا ، ليفصل بين الاسم والوصف . وقراءة العامة بفتح الطاء . وقرأ الحسن والجحدري وحماد بن سلمة ( بضم الطاء ) على أنه مصدر كالرجعى والحسنى وشبههما في المصادر . وقيل : هما لغتان .

إذ انبعث أي نهض . أشقاها لعقر الناقة . واسمه قدار بن سالف . وقد مضى في ( الأعراف ) بيان هذا ، وهل كان واحدا أو جماعة . وفي البخاري عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب ، وذكر الناقة والذي عقرها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتدري من أشقى الأولين " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " عاقر الناقة ، قال : أتدري من أشقى الآخرين ؟ قلت الله ورسوله أعلم . قال : قاتلك " .

فقال لهم رسول الله يعني صالحا
.

ناقة الله ، ناقة منصوب على التحذير كقولك : الأسد الأسد ، والصبي الصبي ، والحذار الحذار . أي أحذروا ناقة الله أي عقرها . وقيل : ذروا ناقة الله ، كما قال : هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم .

وسقياها أي ذروها وشربها . وقد مضى في سورة ( الشعراء ) بيانه والحمد لله . وأيضا في سورة ( اقتربت الساعة ) فإنهم لما اقترحوا الناقة ، وأخرجها لهم من الصخرة ، جعل لهم شرب يوم من بئرهم ، ولها شرب يوم مكان ذلك ، فشق ذلك عليهم .

فكذبوه أي كذبوا صالحا - عليه السلام - في قوله لهم : " إنكم تعذبون إن عقرتموها " .

فعقروها أي عقرها الأشقى . وأضيف إلى الكل ; لأنهم رضوا بفعله . وقال قتادة : ذكر لنا أنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم . وقال الفراء : عقرها اثنان : والعرب تقول : هذان أفضل الناس ، وهذان خير الناس ، وهذه المرأة أشقى القوم فلهذا لم يقل : أشقياها .

قوله تعالى : فدمدم عليهم ربهم بذنبهم أي أهلكهم وأطبق عليهم العذاب بذنبهم الذي هو الكفر والتكذيب والعقر . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : دمدم عليهم قال : دمر عليهم ربهم بذنبهم أي بجرمهم . وقال الفراء : دمدم أي أرجف . وحقيقة الدمدمة تضعيف [ ص: 71 ] العذاب وترديده . ويقال : دممت على الشيء أي أطبقت عليه ، ودمم عليه القبر : أطبقه . وناقة مدومة : ألبسها الشحم . فإذا كررت الإطباق قلت : دمدمت . والدمدمة : إهلاك باستئصال قاله المؤرج . وفي الصحاح : ودمدمت الشيء : إذا ألزقته بالأرض وطحطحته . ودمدم الله عليهم : أي أهلكهم . القشيري : وقيل دمدمت على الميت التراب : أي سويت عليه . فقوله : فدمدم عليهم أي أهلكهم ، فجعلهم تحت التراب .

فسواها أي سوى عليهم الأرض . وعلى الأول فسواها أي فسوى الدمدمة والإهلاك عليهم . وذلك أن الصيحة أهلكتهم ، فأتت على صغيرهم وكبيرهم .

وقال ابن الأنباري : دمدم أي غضب . والدمدمة : الكلام الذي يزعج الرجل . وقال بعض اللغويين : الدمدمة : الإدامة تقول العرب : ناقة مدمدمة أي سمينة .

وقيل : فسواها أي فسوى الأمة في إنزال العذاب بهم ، صغيرهم وكبيرهم ، وضيعهم وشريفهم ، وذكرهم وأنثاهم . وقرأ ابن الزبير ( فدهدم ) وهما ، لغتان كما يقال : امتقع لونه وانتقع .

التالي السابق


الخدمات العلمية