الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2185 [ ص: 186 ] 8 - باب: إذا وكل رجلا أن يعطي شيئا ولم يبين كم يعطي، فأعطى على ما يتعارفه الناس

                                                                                                                                                                                                                              2309 - حدثنا المكي بن إبراهيم، حدثنا ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح وغيره، يزيد بعضهم على بعض، ولم يبلغه كلهم رجل واحد منهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فكنت على جمل ثفال، إنما هو في آخر القوم، فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من هذا؟ ". قلت: جابر بن عبد الله. قال: "ما لك؟ ". قلت: إني على جمل ثفال. قال: "أمعك قضيب؟ ". قلت: نعم. قال: "أعطنيه". فأعطيته، فضربه فزجره، فكان من ذلك المكان من أول القوم، قال: "بعنيه". فقلت: بل هو لك يا رسول الله. قال: "بعنيه، قد أخذته بأربعة دنانير، ولك ظهره إلى المدينة". فلما دنونا من المدينة أخذت أرتحل. قال: "أين تريد؟ ". قلت: تزوجت امرأة قد خلا منها. قال: " فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك". قلت: إن أبي توفي وترك بنات، فأردت أن أنكح امرأة قد جربت خلا منها. قال: "فذلك". فلما قدمنا المدينة قال: "يا بلال، اقضه وزده". فأعطاه أربعة دنانير، وزاده قيراطا. قال جابر: لا تفارقني زيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر بن عبد الله. [انظر: 443 - مسلم: 715 - فتح: 4 \ 485]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح وغيره يزيد بعضهم على بعض، ولم يبلغه كلهم رجل واحد منهم، عن جابر بن عبد الله، قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فكنت على جمل ثفال فذكر بيع الجمل.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف. [ ص: 187 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (كلهم رجل واحد منهم). كذا في نسخ البخاري، وفي الإسماعيلي : لم يبلغه كل رجل منهم، عن جابر . وقال: هذا لفظ حديث حرملة، عن ابن وهب، أنا ابن جريج؛ وعند أبي نعيم، لم يبلغهم كلهم إلا رجل واحد عن جابر . وكذا في أطراف أبي مسعود، وتبعه المزي، وبخط الدمياطي : لم يبلغه، بضم أوله وكسر ثالثه مشددا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : معناه أن بعضهم بينه وبين جابر غيره، ثم ذكر أن في رواية: وكل. بدل: رجل.

                                                                                                                                                                                                                              والثفال - بفتح الثاء المثلثة -: بطيء السير، وبكسر الثاء: جلد أو (كساء) يوضع تحت الرحا يقع عليه الدقيق. وقال ابن التين : وصوب كسر الثاء هنا، ذكره ابن فارس .

                                                                                                                                                                                                                              قوله: بل هو لك يا رسول الله. أي: بغير ثمن، فقال "بل بعنيه" فيه رد العطية. وقوله "قد أخذته بأربعة دنانير" فيه ابتداء المشتري بذكر الثمن، كذا هو بخط الدمياطي، وذكره ابن التين بلفظ: "بأربع الدنانير" قال الداودي : سقط التاء لما دخلت الألف واللام، وذلك فيما دون العشرة، ثم قال: وهذا قول لم يوافقه أحد عليه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "ولك ظهره إلى المدينة" قال مالك: إذا كان على قرب، مثل تلك المسافة، وإن كان روي عنه كراهة ذلك، ولا يجوز فيما بعد عنه. وقال قوم: ذلك جائز وإن بعد. وقالت فرقة: لا يجوز ذلك وإن قرب. [ ص: 188 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في آخره: (فلم يكن القيراط يفارق قراب جابر بن عبد الله ).

                                                                                                                                                                                                                              هو بكسر القاف، وعدم مفارقته لأجل البركة.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في مقدار الثمن على روايات، وذلك لا يوهن الحديث؛ لإجماعهم على البيع، وشرط ظهره.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه رد على من يقول: تفارق عقد البيع يفسد البيع.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن بطال : والمأمور بالصدقة إذا أعطى ما يتعارفه الناس، ويصلح للمعطى، ولا يخرج عن حال المعطي جاز ونفذ، فإن أعطى أكثر مما يتعارف الناس تعلق ذلك برضا صاحب المال، فإن أجاز ذلك وإلا رجع عليه بمقدار ذلك، والدليل على ذلك أنه لو أمره أن يعطيه قفيزا فأعطاه قفيزين ضمن الزيادة بإجماع، فدل أن المتعارف يقوم مقام الشيء المعين.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث كما قال المهلب : يبين أن من روى الاشتراط في حديث جابر أن معناه أنه - عليه السلام - شرط له ذلك شرط تفضل؛ لأن القصة كلها جرت منه على جهة التفضل والرفق بجابر؛ لأنه وهبه الجمل بعد أن أعطاه ثمنه وزاده، وجابر قال أيضا حين سأله بيعه: هو لك يا رسول الله: أي: بلا ثمن كما سلف، وسيأتي إيضاح ذلك بمذاهب العلماء في الشروط إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: بركته - عليه السلام -.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في كتاب الصلح: وقال عطاء وغيره: لك ظهره. هو قال على أن هذه اللفظة محققة عن عطاء وغيره.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية