الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1725 [ ص: 288 ] ( 10 ) باب جامع ما جاء في الطعام والشراب

                                                                                                                        1726 - مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول : قال أبو طلحة لأم سليم : لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا ، أعرف فيه الجوع ، فهل عندك من شيء " فقالت : نعم ، فأخرجت أقراصا من شعير ، ثم أخذت خمارا له ، فلفت الخبز ببعضه ، ثم دسته تحت يدي ، وردتني ببعضه ، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذهبت به ، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد ومعه الناس ، فقمت عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرسلك أبو طلحة ؟ " فقلت : نعم . قال " للطعام ؟ " فقلت : نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لمن معه : " قوموا " قال : فانطلق ، وانطلقت بين أيديهم ، حتى جئت أبا طلحة فأخبرته . فقال أبو طلحة : يا أم سليم ، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم ، فقالت : الله ورسوله أعلم قال فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه حتى دخلا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هلمي يا أم سليم ، ما عندك ؟ " فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففت ، وعصرت عليه أم سليم ، عكة [ ص: 289 ] لها فآدمته ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ، ثم قال : " ائذن لعشرة بالدخول " فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، ثم قال : " ائذن لعشرة بالدخول " فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، ثم قال : " ائذن لعشرة " فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، ثم قال : " ائذن لعشرة " فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، ثم قال " ائذن لعشرة " حتى أكل القوم كلهم وشبعوا ، والقوم سبعون رجلا ، أو ثمانون رجلا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        39654 - قال أبو عمر : وفي الحديث قبول مواساة الصديق ، وقبول صدقته وهديته وأكل طعامه .

                                                                                                                        39655 - وفيه دليل على أن الصلة والهدية ليست بصدقة ، ولو كانت صدقة ما أكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة وقال : " إن الصدقة لا تحل [ ص: 290 ] لمحمد ولا آل محمد " وفيه أن خبز الشعير عندهم من رفيع الطعام الذي يتهادى ويدعى له الجلة الفضلاء .

                                                                                                                        39656 - وكان في أول الإسلام [ أكثر ] طعامهم التمر .

                                                                                                                        39657 - وفيه أن الأنبياء تزوى عنهم الدنيا حتى ليدركون القوت ، ويبلغ بهم الجهد إلى شدة الجوع حتى يضعف منهم الصوت من غير صيام ، كما وصف في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        396658 - وفيه أن الرجل إذا دعي إلى طعام ، جاز له أن يدعو جلساءه ، وجاز لهم الإقبال معه إليه وإن لم ينذرهم صاحب الطعام ، وذلك إذا علم الداعي لهم أن الطعام يحملهم ، وأن ذلك يسر صاحب الطعام ويرضاه ، وإلا فلا .

                                                                                                                        396659 - وقد قال مالك : لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى طعام أن يحمل معه غيره لأنه لا يدري هل يسر بذلك صاحب الطعام أم لا ، إلا أن يقول له صاحب الطعام : [ ص: 291 ] ادع من لقيت ، فإن قال له ذلك : كان له أن يحمل معه غيره .

                                                                                                                        39660 - وفيه أن من أخلاق المؤمن الاكتراث إذا نزل به ضيف ، وليس معه ما يكرمه به لأن الضيافة من أخلاق الكرام .

                                                                                                                        39661 - وفيه من فضل فطنة أم سليم بحسن جوابها [ زوجها ] حين شكا إليها كثرة من حل به من الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلة طعامه فقالت له : الله ورسوله أعلم ، أي أنه لم يأت بهم إلا وسيطعمهم .

                                                                                                                        39662 - وفيه الخروج إلى الطريق لمن قصد إكراما له إذا كان أهلا لذلك لأنه من البر والكرامة ، وفيه أن صاحب الدار لا يستأذن في داره ، وأن من دخل معه استغنى عن الإذن .

                                                                                                                        39663 - وفيه أنه لا حرج على الصديق أن يأمر في دار صديقه بما شاء مما يعلم أنه يسر به ولا يسوؤه ذلك ، ألا ترى أنه اشترط عليهم أن يفتوا الخبز وقال لأم سليم : هات ما عندك .

                                                                                                                        39664 - ولقد أحسن القائل في هذا المعنى مفتخرا بذلك :


                                                                                                                        يستأنس الضيف في أبياتنا أبدا فليس يعرف خلق أينا الضيف

                                                                                                                        [ ص: 292 ] 39665 - وفيه دليل أيضا على أن الثريد أعظم بركة من غيره ، ولذلك اشترط به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .

                                                                                                                        39666 - وفيه أن الإنسان لا يدخل عليه بيته إلا معه أو بإذنه ، ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ائذن لعشرة ، ثم ائذن لعشرة ، ثم ائذن لعشرة " حتى استوفى جميعهم ، عشرة عشرة ، وكانوا سبعين أو ثمانين رجلا .

                                                                                                                        39667 - وفيه العلم الواضح من أعلام النبوة والبرهان الساطع من براهينها أن يكون العدد الكبير يأكلون حتى يشبعوا من الطعام اليسير .

                                                                                                                        39668 - وكم له من مثلها صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرنا منه كثيرا في مواضع من كتابنا كتاب " التمهيد " والحمد لله كثيرا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية