الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  880 44 - حدثنا معاذ بن فضالة قال : حدثنا هشام ، عن يحيى ، عن هلال بن أبي ميمونة قال : حدثنا عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس ذات يوم على المنبر ، وجلسنا حوله .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن جلوسهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكون إلا وهم ينظرون إليه ، وهو عين الاستقبال .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله ، وهم ستة : الأول : معاذ بن فضالة أبو زيد الزهراني البصري ، الثاني : هشام الدستوائي ، الثالث : يحيى بن أبي كثير ، الرابع : هلال ابن أبي ميمونة ، ويقال هلال بن هلال ، وهو هلال بن علي ، تقدم ذكره في أول كتاب العلم ، الخامس : عطاء بن يسار بفتح الياء آخر الحروف ، السادس : أبو سعيد الخدري ، واسمه سعد بن مالك مشهور باسمه وكنيته .

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه السماع ، وفيه القول في موضع واحد ، وفيه أن شيخه من أفراده ، وفيه أن الأول من الرواة بصري ، والثاني أهوازي ، والثالث يماني ، والرابع والخامس مدنيان .

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره : أخرجه البخاري في الجهاد أيضا عن محمد بن سنان عن فليح ، وفي الزكاة عن معاذ بن فضالة أيضا ، وفي الرقاق عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك ، وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي الطاهر بن السرح ، وعن علي بن حجر ، وأخرجه النسائي فيه عن زياد بن أيوب عن ابن علية به ، وأخرجه الترمذي عن ابن مسعود ، وقد ذكرناه عن قريب ، وفي الباب عن ابن عمر رواه الطبراني في ( الأوسط ) ، والبيهقي في ( سننه ) من رواية عيسى بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده ، فإذا صعده استقبل الناس بوجهه لفظ البيهقي وضعفه .

                                                                                                                                                                                  وقال الطبراني : فإذا صعد المنبر توجه إلى الناس ، وسلم عليهم ، وعيسى بن عبد الله فيه مقال ، وعن عدي بن ثابت عن أبيه أخرجه ابن ماجه ، وقد ذكرناه عن قريب ، وعن مطيع أبي يحيى عن أبيه عن جده أخرجه الأثرم ، وقد ذكرناه عن قريب ، وعن البراء من طريق أبان ابن عبد الله البجلي أخرجه ابن خزيمة ، وقال : إنه معلول .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : الحكمة في استقبالهم للخطيب أن يتفرغوا لسماع موعظته ، وتدبر كلامه ، ولا يشتغلوا بغيره ، قال الفقهاء : إنما استدبر القبلة ; لأنه إذا استقبلها ، فإن كان في صدر المسجد كان مستدبرا للقوم ، واستدبارهم وهم المخاطبون قبيح خارج عن عرف المخاطبات ، وإن كان في آخره فإما أن يستقبله القوم فيكونوا مستدبرين القبلة ، واستدبار واحد أهون من استدبار الجماعة ، وإما أن يستدبروه فتلزم الهيئة القبيحة ، ولو خالف الخطيب فاستدبرهم ، واستقبل القبلة كره ، وصحت خطبته ، وحكى الشاشي وجها شاذا أنه لا يصح .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : ما المراد باستقبال الناس الخطيب ، هل المراد من يواجهه أو المراد جميع أهل [ ص: 221 ] المسجد حتى إن من هو في الصف الأول والثاني ، وإن طالت الصفوف ينحرفون بأبدانهم أو بوجوههم لسماع الخطبة ؟ قلت : الظاهر أن المراد بذلك من يسمع الخطبة دون من بعد فلم يسمع ، فاستقبال القبلة أولى به من توجهه لجهة الخطيب ، ثم إن الرافعي والنووي جزما باستحباب ذلك ، وصرح القاضي أبو الطيب بوجوب ذلك ، ثم بقي هنا استقبال الخطيب للناس ، فذكر الرافعي أنه من سنن الخطبة ، ولو خطب مستدبرا للناس جاز ، وإن خالف السنة ، وحكى في ( البيان ) وغيره وجه أنه لا يجزيه ، كما ذكرنا عن قريب عن الشاشي ، فإن قلت : حول النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهره إلى الناس في خطبة الاستسقاء ، قلت : كان ذلك تفاؤلا بتغير الحال ، كما قلب رداءه فيها تفاؤلا بذلك ، فأما في الجمعة فلم ينقل ذلك مع كونه قد استسقى في خطبة الجمعة ، ولم يحول وجهه في الدعاء للقبلة ، وكل منهما أصل بنفسه لا يقاس عليه غيره .

                                                                                                                                                                                  واستنبط الماوردي وغيره من الحديث المذكور أن الخطيب لا يلتفت يمينا ، ولا شمالا حالة الخطبة ، وفي ( شرح المهذب ) : اتفق العلماء على كراهة ذلك ، وهو معدود في البدع المنكرة خلافا لأبي حنيفة فإنه قال يلتفت يمنة ويسرة كالأذان نقله الشيخ أبو حامد . قلت : في هذا النقل عن أبي حنيفة نظر ، ولا يصح ذلك عنه ، ومن السنة عندنا أن يترك الخطيب السلام من وقت خروجه إلى دخوله في الصلاة ، والكلام أيضا ، وبه قال مالك .

                                                                                                                                                                                  وقال الشافعي وأحمد : السنة إذا صعد المنبر أن يسلم على القوم إذا أقبلهم بوجهه كذا روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . قلت : هذا الحديث أورده ابن عدي من حديث ابن عمر في ترجمة عيسى بن عبد الله الأنصاري وضعفه ، وكذا ضعفه ابن حبان ، فإن قلت : روى ابن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن مجالد " عن الشعبي قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال : السلام عليكم " الحديث . قلت : هذا مرسل ، فلا يحتج به عندهم .

                                                                                                                                                                                  وقال عبد الحق في ( الأحكام الكبرى ) : هو مرسل ، وإن أسنده أحمد من حديث عبد الله بن لهيعة فهو معروف في الضعفاء ، فلا يحتج به .

                                                                                                                                                                                  وقال البيهقي : الحديث ليس بقوي .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية