الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ما يؤمر به من العمل في السفر

                                                                                                          حدثني مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن خالد بن معدان يرفعه إن الله تبارك وتعالى رفيق يحب الرفق ويرضى به ويعين عليه ما لا يعين على العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها فإن كانت الأرض جدبة فانجوا عليها بنقيها وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار وإياكم والتعريس على الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الحيات [ ص: 624 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 624 ] 15 - باب ما يؤمر به من العمل في السفر

                                                                                                          1834 1787 - ( مالك عن أبي عبيد ) - بضم العين - المذحجي ( مولى سليمان بن عبد الملك ) بن مروان الأموي وحاجبه ، قيل : اسمه عبد الملك ، وقيل : حي أو حيي أو حوي ، ثقة ، مات بعد المائة ( عن خالد بن معدان ) الكلاعي الحمصي أبي عبد الله ، ثقة عابد يرسل كثيرا ، مات سنة ثلاث ومائة ، وقيل : بعدها ( يرفعه ) لفظه : يستعملها المحدثون بدل قال - صلى الله عليه وسلم - ( إن الله رفيق ) ، أي : لطيف بعباده يريد بهم اليسر ، ولا يريد بهم العسر ، فيكلفهم فوق طاقتهم ، بل يسامحهم ويلطف بهم ، قيل : لا يجوز إطلاق الرفيق على الله تعالى اسما ؛ لأن أسماءه إنما تثبت بالتواتر ، ولم يستعمل هنا على قصد التسمية ، وإنما أخبر به عنه تمهيدا للحكم الذي بعده ، لكن قال النووي : الأصح جواز تسميته تعالى رفيقا وغيره مما يثبت بخبر الواحد ، ( يحب الرفق ) - بالكسر - لين الجانب بالقول والفعل ، والأخذ بأيسر الوجوه وأحسنها ، أي : يحب أن يرفق بعضكم ببعض ، وقال الباجي : يريد ما يحاوله الإنسان من أمر دينه ودنياه ، وزعم أن المراد : يحب أن يرفق بعباده لا يلائم قوله ، ( ويرضى به ) يثبت فاعله ، ( ويعين عليه ) بتسهيله على قاصده ، ( ما لا يعين ) ، وفي رواية : ويعطي عليه ما لا يعطي ( على العنف ) - بضم العين ، وسكون النون - : الشدة والمشقة ، نبه به على وطاءة الأخلاق ، وحسن المعاملة ، وكمال المجاملة ، وفيه إيذان بأن الرفق أنجح الأسباب وأنفعها بأسرارها ، وهذا قد رواه مسلم عن عائشة مرفوعا : " إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، ولا ما يعطي على ما سواه " ، ورواه البخاري في الأدب المفرد ، وأبو داود من حديث عبد الله بن مغفل ، وابن ماجه عن أبي هريرة ، وأحمد عن علي ، والطبراني عن أبي أمامة ، والبزار عن أنس : والرفق مطلوب مع العاقل وغيره كما قال .

                                                                                                          ( فإذا ركبتم هذه الدواب العجم ) - بضم فسكون - جمع عجماء ، وهي البهيمة سميت بذلك ؛ لأنها لا تتكلم ، ( فأنزلوها منازلها ) جمع منزل ، وهي المواضع التي اعتيد النزول فيها ، أي : أريحوها فيها لتقوى على السير ، وللدارقطني من حديث أبي هريرة : " فاعطوها

                                                                                                          [ ص: 625 ] حظها من المنازل ، ولا تكونوا عليها شياطين
                                                                                                          " ، أي : لا تركبوها ركوبهم ، ولا تستعملوها استعمالهم في عدم مراعاة الشفقة على خلق الله .

                                                                                                          ( فإذا كانت الأرض ) التي تسيرون فيها ( جدبة ) - بفتح الجيم ، وإسكان الدال المهملة - ( فانجوا عليها ) بنون وجيم ، أي : أسرعوا ، والنجا بالمد والقصر السرعة ، أي : اطلبوا النجا من تلك الأرض بسرعة السير عليها ما دامت ( بنقيها ) - بكسر النون ، وسكون القاف - شحمها فإنكم إن أبطأتم عليها في أرض جدبة ضعفت ، وهزلت .

                                                                                                          ( وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار ) ببنائه للمفعول فيهما ، للعلم بالفاعل سبحانه ، شبه سهولة السير ليلا بثوب مطوي يسهل حمله .

                                                                                                          وللطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن مغفل مرفوعا : " إذا ركبتم هذه الدواب العجم ، فانجوا عليها ، فإذا كانت سنة فانجوا ، وعليكم بالدلجة فإنما يطويها الله " ، أي : لا يطوي الأرض للمسافر فيها ليلا إلا الله إكراما للمسافر ، حيث أتى بهذا الأدب الشرعي .

                                                                                                          ( وإياكم والتعريس ) ، أي : النزول أخر الليل لنحو نوم ( على الطريق ) ، ولابن ماجه عن جابر على : جواد الطريق ، والصلاة عليها ، بشد الدال جمع جادة ، أي : معظم الطريق ، والمراد : نفسها ، ( فإنها طريق الدواب ، ومأوى الحيات ) وغيرها ، كما في رواية أخرى : " ومأوى الهوام بالليل " ، أي : محل ترددها بالليل لتأكل ما فيها من رمة ، وتلتقط ما يسقط من المارة من نحو مأكول .

                                                                                                          زاد ابن ماجه : " وقضاء الحاجة عليها فإنها اللاعن " ، وظاهر سياقه أنه حديث ، وأخذ مشتمل على ما ذكر .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : هذا الحديث مسند من وجوه كثيرة ، وهي أحاديث شتى محفوظة ، انتهى .

                                                                                                          وفي مسلم ، وأبي داود ، والترمذي ، والنسائي عن أبي هريرة مرفوعا : " إذا سافرتم في الخصب ، فأعطوا الإبل حظها من الأرض ، وإذا سافرتم في الجدب ، فأسرعوا عليها السير ، وبادروا بها نفيها ، وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق ، فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل .




                                                                                                          الخدمات العلمية