الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ الشرط المتقدم والمقارن ] : وأما قوله : " ولا يفسد عقد إلا بالعقد نفسه ، ولا يفسد بشيء تقدمه ولا تأخره ، ولا بتوهم ، ولا أمارة عليه " يريد أن الشرط المتقدم لا يفسد العقد إذا عرى صلب العقد عن مقارنته ، وهذا أصل قد خالفه فيه جمهور أهل العلم ، وقالوا : لا فرق بين الشرط المتقدم والمقارن ; إذ مفسدة الشرط المتقدم لم تزل بتقدمه وإسلافه ، بل مفسدته مقارنا كمفسدته متقدما ، وأي مفسدة زالت بتقدم الشرط إذا كانا قد علما وعلم الله تعالى والحاضرون أنهما إنما عقدا على ذلك الشرط الباطل المحرم وأظهرا صورة العقد مطلقا ؟ وهو مقيد في نفس الأمر بذلك الشرط المحرم ؟ فإذا اشترطا قبل العقد أن النكاح نكاح تحليل أو متعة أو شغار ، وتعاهدا على ذلك ، وتواطآ عليه ، ثم عقدا على ما اتفقا عليه ، وسكتا عن إعادة الشرط في صلب العقد اعتمادا على تقدم ذكره والتزامه ، لم يخرج العقد بذلك عن كونه عقد تحليل ومتعة وشغار حقيقة . وكيف يعجز المتعاقدان اللذان يريدان عقدا قد حرمه الله ورسوله لوصف أن يشترطا قبل العقد إرادة ذلك الوصف وأنه هو المقصود ثم يسكتا عن ذكره في صلب العقد ليتم غرضهما ؟ وهل إتمام غرضهما إلا عين تفويت مقصود الشارع ؟ وهل هذه القاعدة وهي أن الشرط المتقدم لا يؤثر شيئا - إلا فتح لباب الحيل ؟ بل هي أصل الحيل وأساسها ، وكيف تفرق الشريعة بين متماثلين من كل وجه لافتراقهما في تقدم لفظ وتأخره مع استواء العقدين في الحقيقة والمعنى والقصد ؟ وهل هذا إلا من أقرب الوسائل والذرائع إلى حصول ما قصد الشارع عدمه وإبطاله ؟ وأين هذه القاعدة من قاعدة سد الذرائع إلى المحرمات ؟ ولهذا صرح أصحابها ببطلان سد الذرائع لما علموا أنها مناقضة لتلك ; فالشارع سد الذرائع إلى المحرمات بكل طريق ، وهذه القاعدة توسع الطرق إليها وتنهجها .

وإذا تأمل اللبيب هذه القاعدة وجدها ترفع التحريم أو الوجوب مع قيام المعنى المقتضي [ ص: 108 ] لهما حقيقة ، وفي ذلك تأكيد للتحريم من وجهين : من جهة أن فيها فعل المحرم وترك الواجب ، ومن جهة اشتمالها على التدليس والمكر والخداع والتوسل بشرع الله الذي أحبه ورضيه لعباده إلى نفس ما حرمه ونهى عنه ، ومعلوم أنه لا بد أن يكون بين الحلال والحرام فرق بين في الحقيقة ، بحيث يظهر للعقول مضادة أحدهما للآخر ، والفرق في الصورة غير معتبر ولا مؤثر ; إذ الاعتبار بالمعاني والمقاصد في الأقوال والأفعال ، فإن الألفاظ إذا اختلفت عباراتها أو مواضعها بالتقدم والتأخر والمعنى واحد كان حكمها واحدا ، ولو اتفقت ألفاظها واختلفت معانيها كان حكمها مختلفا ، وكذلك الأعمال ، ومن تأمل الشريعة حق التأمل علم صحة هذا بالاضطرار ; فالأمر المحتال عليه بتقدم الشرط دون مقارنة صورته صورة الحلال المشروع ومقصوده مقصود الحرام الباطل ، فلا تراعى الصورة وتلغى الحقيقة والمقصود ، بل مشاركة هذا للحرام صورة ومعنى وإلحاقه به لاشتراكهما في القصد والحقيقة أولى من إلحاقه بالحلال المأذون فيه بمشاركته له في مجرد الصورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية