الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
الوجه السابع والستون : أنه نهى عن تصديق أهل الكتاب وتكذيبهم فيما يحدثون به ; لأن تصديقهم قد يكون ذريعة إلى التصديق بالباطل وتكذيبهم قد يكون ذريعة إلى التكذيب بالحق ، كما علل به في نفس الحديث .

الوجه الثامن والستون : أنه نهى أن يسمي عبده بأفلح ونافع ورباح ويسار ، لأن ذلك قد يكون ذريعة إلى ما يكره من الطيرة بأن يقال : ليس هاهنا يسار ، ولا رباح ، ولا أفلح ، وإن كان قصد اسم الغلام ، ولكن سدا لذريعة اللفظ المكروه الذي يستوحش منه السامع .

الوجه التاسع والستون : أنه نهى الرجال عن الدخول على النساء لأنه ذريعة ظاهرة . الوجه السبعون : أنه نهى أن يسمى باسم برة ; لأنه ذريعة إلى تزكية النفس بهذا الاسم ، وإن كان إنما قصد العلمية .

الوجه الحادي والسبعون : أنه نهى عن التداوي بالخمر وإن كانت مصلحة التداوي راجحة على مفسدة ملابستها ، سدا لذريعة قربانها واقتنائها ومحبة النفوس لها ، فحسم عليها المادة حتى في تناولها على وجه التداوي ، وهذا من أبلغ سد الذرائع .

الوجه الثاني والسبعون : أنه نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث ; لأن ذلك ذريعة إلى حزنه وكسر قلبه وظنه السوء .

الوجه الثالث والسبعون : أن الله حرم نكاح الأمة على القادر على نكاح الحرة إذا لم [ ص: 121 ] يخش العنت ; لأن ذلك ذريعة إلى إرقاق ولده ، حتى لو كانت الأمة من الآيسات من الحبل والولادة لم تحل له سدا للذريعة ، ولهذا منع الإمام أحمد الأسير والتاجر أن يتزوج في دار الحرب خشية تعريض ولده للرق ، وعلله بعلة أخرى ، وهي أنه قد لا يمكنه منع العدو من مشاركته في زوجته .

الوجه الرابع والسبعون : أنه نهى أن يورد ممرض على مصح : لأن ذلك قد يكون ذريعة إما إلى إعدائه وإما إلى تأذيه بالتوهم والخوف ، وذلك سبب إلى إصابة المكروه له .

الوجه الخامس والسبعون : أنه نهى أصحابه عن دخول ديار ثمود إلا أن يكونوا باكين خشية أن يصيبهم مثل ما أصابهم ، فجعل الدخول من غير بكاء ذريعة إلى إصابة المكروه .

الوجه السادس والسبعون : أنه نهى الرجل أن ينظر إلى من فضل عليه في المال واللباس ; فإنه ذريعة إلى ازدرائه نعمة الله عليه واحتقاره بها ، وذلك سبب الهلاك .

الوجه السابع والسبعون : أنه نهى عن إنزاء الحمر على الخيل ; لأن ذلك ذريعة إلى قطع نسل الخيل أو تقليلها ، ومن هذا نهيه عن أكل لحومها إن صح الحديث فيه إنما كان لأنه ذريعة إلى تقليلها ، كما نهاهم في بعض الغزوات عن نحر ظهورهم لما كان ذريعة إلى لحوق الضرر بهم بفقد الظهر .

الوجه الثامن والسبعون : أنه نهى من رأى رؤيا يكرهها أن يتحدث بها ; فإنه ذريعة إلى انتقالها من مرتبة الوجود اللفظي إلى مرتبة الوجود الخارجي كما انتقلت من الوجود الذهني إلى اللفظي ، وهكذا عامة الأمور تكون في الذهن أولا ثم تنتقل إلى الذكر ثم تنتقل إلى الحس ، وهذا من ألطف سد الذرائع وأنفعها ، ومن تأمل عامة الشر رآه متنقلا في درجات الظهور طبقا بعد طبق من الذهن إلى اللفظ إلى الخارج .

الوجه التاسع والسبعون : أنه سأل عن الخمر تتخذ خلا ، فقال : لا ، مع إذنه في خل الخمر الذي حصل بغير التخليل ، وما ذاك إلا سدا لذريعة إمساكها بكل طريق ، إذ لو أذن في تخليلها لحبسها أصحابها لذلك وكان ذريعة إلى المحذور .

الوجه الثمانون : أنه نهى أن يتعاطى السيف مسلولا ، وما ذاك إلا أنه ذريعة إلى الإصابة بمكروه ، ولعل الشيطان يعينه وينزع في يده فيقع المحذور ويقرب منه .

الوجه الحادي والثمانون : أنه أمر المار في المسجد بنبال أن يمسك على نصلها بيده لئلا يكون ذريعة إلى تأذي رجل مسلم بالنصال . [ ص: 122 ] الوجه الثاني والثمانون : أنه حرم الشياع ، وهو المفاخرة بالجماع ; لأنه ذريعة إلى تحريك النفوس والتشبه ، وقد لا يكون عند الرجل من يغنيه من الحلال فيتخطى إلى الحرام ، ومن هذا كان المجاهرون خارجين من عافية الله ، وهم المتحدثون بما فعلوه من المعاصي ; فإن السامع تتحرك نفسه إلى التشبه ، وفي ذلك من الفساد المنتشر ما لا يعلمه إلا الله .

الوجه الثالث والثمانون : أنه نهى عن البول في الماء الدائم ، وما ذاك إلا أن تواتر البول فيه ذريعة إلى تنجيسه ، وعلى هذا فلا فرق بين القليل والكثير وبول الواحد والعدد ، وهذا أولى من تفسير بما دون القلتين أو بما يمكن نزحه ; فإن الشارع الحكيم لا يأذن للناس أن يبولوا في المياه الدائمة إذا جاوزت القلتين أو لم يمكن نزحها ، فإن في ذلك [ من ] إفساد مياه الناس ومواردهم ما لا تأتي به شريعة ، فحكمة شريعته اقتضت المنع من البول فيه قل أو كثر سدا لذريعة إفساده .

الوجه الرابع والثمانون : أنه نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ; فإنه ذريعة إلى أن تناله أيديهم كما علل به في نفس الحديث .

الوجه الخامس والثمانون : أنه نهى عن الاحتكار ، وقال : " لا يحتكر إلا خاطئ " فإنه ذريعة إلى أن يضيق على الناس أقواتهم ، ولهذا لا يمنع من احتكار ما لا يضر الناس .

الوجه السادس والثمانون : أنه نهى عن منع فضل الماء ; لئلا يكون ذريعة إلى منع فضل الكلأ كما علل به في نفس الحديث ، فجعله بمنعه من الماء مانعا من الكلأ ; لأن صاحب المواشي إذا لم يمكنه الشرب من ذلك الماء لم يتمكن من المرعى الذي حوله .

الوجه السابع والثمانون : أنه نهى عن إقامة حد الزنا على الحامل حتى تضع ، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى قتل ما في بطنها ، كما قال في الحديث الآخر : { لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأمرت فتياني أن يحملوا معهم حزما من حطب فأخالف إلى قوم لا يشهدون الصلاة في الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار } فمنعه من تحريق بيوتهم التي عصوا الله فيها بتخلفهم عن الجماعة كون ذلك ذريعة إلى عقوبة من لم يجب عليه حضور الجماعة من النساء والأطفال .

الوجه الثامن والثمانون : أنه نهى عن إدامة النظر إلى المجذومين ، وهذا والله أعلم لأنه ذريعة إلى أن يصابوا بإيذائهم ، وهي من ألطف الذرائع ، وأهل الطبيعة يعترفون به ، وهو جار على قاعدة الأسباب ، وأخبرني رجل من علمائهم أنه جلس قرابة له يكحل الناس فرمد [ ص: 123 ] ثم برئ ، فجلس يكحلهم فرمد مرارا ، قال : فعلمت أن الطبيعة تنتقل ، وأنه من كثرة ما يفتح عينيه في أعين الرمد نقلت الطبيعة الرمد إلى عينيه ، وهذا لا بد معه من نوع استعداد ، وقد جبلت الطبيعة والنفس على التشبه والمحاكاة .

الوجه التاسع والثمانون : { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجل أن ينحني للرجل إذا لقيه } كما يفعله كثير من المنتسبين إلى العلم ممن لا علم له بالسنة ، بل يبالغون إلى أقصى حد الانحناء مبالغة في خلاف السنة جهلا حتى يصير أحدهم بصورة الراكع لأخيه ثم يرفع رأسه من الركوع كما يفعل إخوانهم من السجود بين يدي شيوخهم الأحياء والأموات ; فهؤلاء أخذوا من الصلاة سجودها ، وأولئك ركوعها ، وطائفة ثالثة قيامها يقوم عليهم الناس وهم قعود كما يقومون في الصلاة ، فتقاسمت الفرق الثلاث أجزاء الصلاة ، والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن انحناء الرجل لأخيه سدا لذريعة الشرك ، كما نهى عن السجود لغير الله ، وكما نهاهم أن يقوموا في الصلاة على رأس الإمام وهو جالس مع أن قيامهم عبادة لله تعالى ، فما الظن إذا كان القيام تعظيما للمخلوق وعبودية له ؟ فالله المستعان .

الوجه التسعون : أنه حرم التفريق في الصرف وبيع الربوي بمثله قبل القبض ; لئلا يتخذ ذريعة إلى التأجيل الذي هو أصل باب الربا ، فحماهم من قربانه باشتراط التقابض في الحال ، ثم أوجب عليهم فيهم التماثل ، وأن لا يزيد أحد العوضين على الآخر إذا كانا من جنس واحد حتى لا يباع مد جيد بمدين رديئين وإن كانا يساويانه ، سدا لذريعة ربا النساء الذي هو حقيقة الربا ، وأنه إذا منعهم من الزيادة مع الحلول حيث تكون الزيادة في مقابلة جودة أو صفة أو سكة أو نحوهما ، فمنعهم منها حيث لا مقابل لها إلا مجرد الأجل أولى ; فهذه هي حكمة تحريم ربا الفضل التي خفيت على كثير من الناس ، حتى قال بعض المتأخرين : لا يتبين لي حكمة تحريم ربا الفضل ، وقد ذكر الشارع هذه الحكمة بعينها ; فإنه حرمه سدا لذريعة ربا النساء ، فقال في حديث تحريم ربا الفضل : { فإني أخاف عليكم الرما } والرما هو الربا ، فتحريم الربا نوعان : نوع حرم لما فيه من المفسدة وهو ربا النسيئة ، ونوع حرم تحريم الوسائل وسدا للذرائع ; فظهرت حكمة الشارع الحكيم وكمال شريعته الباهرة في تحريم النوعين ، ويلزم من لم يعتبر الذرائع ولم يأمر بسدها أن يجعل تحريم ربا الفضل تعبدا محضا لا يعقل معناه كما صرح بذلك كثير منهم .

الوجه الحادي والتسعون : أنه أبطل أنواعا من النكاح الذي يتراضى به الزوجان سدا لذريعة الزنا ; فمنها النكاح بلا ولي ; فإنه أبطله سدا لذريعة الزنا ; فإن الزاني لا يعجز أن [ ص: 124 ] يقول للمرأة : " أنكحيني نفسك بعشرة دراهم " ويشهد عليها رجلين من أصحابه أو غيرهم ، فمنعها من ذلك سدا لذريعة الزنا ، ومن هذا تحريم نكاح التحليل الذي لا رغبة للنفس فيه في إمساك المرأة واتخاذها زوجة بل له وطر فيما يقضيه بمنزلة الزاني في الحقيقة وإن اختلفت الصورة ، ومن ذلك تحريم نكاح المتعة الذي يعقد فيه المتمتع على المرأة مدة يقضي وطره منها فيها ; فحرم هذه الأنواع كلها سدا لذريعة السفاح ، ولم يبح إلا عقدا مؤبدا يقصد فيه كل من الزوجين المقام مع صاحبه ويكون بإذن الولي وحضور الشاهدين أو ما يقوم مقامهما من الإعلان ; فإذا تدبرت حكمة الشريعة وتأملتها حق التأمل رأيت تحريم هذه الأنواع من باب سد الذرائع ، هي من محاسن الشريعة وكمالها .

الوجه الثاني والتسعون : أنه منع المتصدق من شراء صدقته ولو وجدها تباع في السوق سدا لذريعة العود فيما خرج عنه لله ولو بعوضه ; فإن المتصدق إذا منع من تملك صدقته بعوضها فتملكه إياها بغير عوض أشد منعا وأفطم للنفوس عن تعلقها بما خرجت عنه لله ، والصواب ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم من المنع من شرائها مطلقا ، ولا ريب أن في تجويز ذلك ذريعة إلى التحيل على الفقير بأن يدفع إليه صدقة ماله ثم يشتريها منه بأقل من قيمتها ، ويرى المسكين أنه قد حصل له شيء - مع حاجته - فتسمح نفسه بالبيع ، والله عالم بالأسرار ، فمن محاسن هذه الشريعة الكاملة سد الذريعة ومنع المتصدق من شراء صدقته ، وبالله التوفيق .

الوجه الثالث والتسعون : أنه نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها ، لئلا يكون ذريعة إلى أكل مال المشتري بغير حق إذا كانت معرضة للتلف ، وقد يمنعها الله ، وأكد هذا الغرض بأن حكم للمشتري بالجائحة إذا تلفت بعد الشراء الجائز ، كل هذا لئلا يظلم المشتري ويؤكل ماله بغير حق .

الوجه الرابع والتسعون : أنه نهى الرجل بعد إصابة ما قدر له أن يقول : لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ، وأخبر أن ذلك ذريعة إلى عمل الشيطان ، فإنه لا يجدي عليه إلا الحزن والندم وضيقة الصدر والسخط على المقدور واعتقاد أنه كان يمكنه دفع المقدور لو فعل ذلك ، وذلك يضعف رضاه وتسليمه وتفويضه وتصديقه بالمقدور وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وإذا أعرض القلب عن هذا انفتح له عمل الشيطان ، وما ذاك لمجرد لفظ " لو " بل لما قارنها من الأمور القائمة بقلبه المنافية لكمال الإيمان الفاتحة لعمل الشيطان ، بل أرشد العبد في هذه الحال إلى ما هو أنفع له وهو الإيمان بالقدر والتفويض والتسليم للمشيئة الإلهية وأنه ما شاء الله كان ولا بد ; فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط ، فصلوات [ ص: 125 ] الله وسلامه على من كلامه شفاء للصدور ونور للبصائر وحياة للقلوب وغذاء للأرواح ، وعلى آله ; فلقد أنعم به على عباده أتم نعمة ، ومن عليهم به أعظم منة ; فلله النعمة وله المنة وله الفضل وله الثناء الحسن .

الوجه الخامس والتسعون : { أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين } ، وهما الرجلان يقصد كل منهما مباراة الآخر ومباهاته ، إما في التبرعات كالرجلين يصنع كل منهما دعوة يفتخر بها على الآخر ويباريه بها ، وأما في المعاوضات كالبائعين يرخص كل منهما سلعته لمنع الناس من الشراء من صاحبه ، ونص الإمام أحمد على كراهية الشراء من هؤلاء ، وهذا النهي يتضمن سد الذريعة من وجهين ; أحدهما : أن تسليط النفوس على الشراء منهما وأكل طعامهما تفريج لهما وتقوية لقلوبهما وإغراء لهما على فعل ما كرهه الله ورسوله ، والثاني : أن ترك الأكل من طعامهما ذريعة إلى امتناعهما وكفهما عن ذلك .

الوجه السادس والتسعون : أنه تعالى عاقب الذين حفروا الحفائر يوم الجمعة فوقع فيها السمك يوم السبت فأخذوه يوم الأحد ومسخهم الله قردة وخنازير ، وقيل : إنهم نصبوا الشباك يوم الجمعة وأخذوا الصيد يوم الأحد ، وصورة الفعل الذي فعلوه مخالف لما نهوا عنه ، ولكنهم لما جعلوا الشباك والحفائر ذريعة إلى أخذ ما يقع فيها من الصيد يوم السبت نزلوا منزلة من اصطاد فيه ; إذ صورة الفعل لا اعتبار بها ، بل بحقيقته وقصد فاعله ، ويلزم من لم يسد الذرائع أن لا يحرم مثل هذا كما صرحوا به في نظيره سواء ، وهو ولو نصب قبل الإحرام شبكة فوقع فيها صيد وهو محرم جاز له أخذه بعد الحل ، وهذا جار على قواعد من لم يعتبر المقاصد ولم يسد الذرائع .

الوجه السابع والتسعون : قال الإمام أحمد : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة ، ولا ريب أن هذا سدا لذريعة الإعانة على المعصية ، ويلزم من لم يسد الذرائع أن يجوز هذا البيع كما صرحوا به ، ومن المعلوم أن هذا البيع يتضمن الإعانة على الإثم والعدوان ، وفي معنى هذا كل بيع أو إجارة أو معاوضة تعين على معصية الله كبيع السلاح للكفار والبغاة وقطاع الطريق ، وبيع الرقيق لمن يفسق به أو يؤاجره لذلك ، أو إجارة داره أو حانوته أو خانه لمن يقيم فيها سوق المعصية ، وبيع الشمع أو إجارته لمن يعصي الله عليه ، ونحو ذلك مما هو إعانة على ما يبغضه الله ويسخطه ، ومن هذا عصر العنب لمن يتخذه خمرا وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والمعتصر معا ، ويلزم من لم يسد الذرائع أن لا يلعن العاصر ، وأن يجوز له أن يعصر العنب لكل أحد ، ويقول : القصد غير معتبر في العقد ، [ ص: 126 ] والذرائع غير معتبرة ، ونحن مطالبون في الظواهر ، والله يتولى السرائر ، وقد صرحوا بهذا ، ولا ريب في التنافي بين هذا وبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الوجه الثامن والتسعون : نهيه عن قتال الأمراء والخروج على الأئمة - وإن ظلموا أو جاروا ما أقاموا الصلاة ، سدا لذريعة الفساد العظيم والشر الكثير بقتالهم كما هو الواقع ; فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم أضعاف أضعاف ما هم عليه ، والأمة في بقايا تلك الشرور إلى الآن ، وقال : { إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر منهما } سدا لذريعة الفتنة .

الوجه التاسع والتسعون : جمع عثمان المصحف على حرف واحد من الأحرف السبعة لئلا يكون ذريعة إلى اختلافهم في القرآن ، ووافقه على ذلك الصحابة رضي الله عنهم .

ولنقتصر على هذا العدد من الأمثلة الموافق لأسماء الله الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة ، تفاؤلا بأنه من أحصى هذه الوجوه وعلم أنها من الدين وعمل بها دخل الجنة ; إذ قد يكون قد اجتمع له معرفة أسماء الرب تعالى ومعرفة أحكامه ، ولله وراء ذلك أسماء وأحكام .

وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف ; فإنه أمر ونهي ، والأمر نوعان ; أحدهما : مقصود لنفسه ، والثاني : وسيلة إلى المقصود ، والنهي نوعان ; أحدهما : ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه ، والثاني : ما يكون وسيلة إلى المفسدة ; فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية