الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو باع ثمر بستان ، أو بستانين بدا صلاح بعضه فعلى ما سبق في التأبير ) فلا يتبع ما لم يبد ما بدا إلا إن اتحد الجنس وإن اختلف النوع واتحد البستان والعقد والحمل ، فإن اختلف واحد من هذه لم يصح فيما لم يبد صلاحه إلا بشرط قطعه ( ومن باع ما بدا صلاحه ) من ثمر ، أو زرع من غير شرط قطعه ، أو قلعه والأصل ملك للبائع ( لزمه سقيه ) إن كان مما يسقى إلى أوان الجذاذ ( قبل التخلية وبعدها ) قدر ما ينميه ويقيه التلف ؛ لأنه من تتمة التسليم الواجب فشرطه على المشتري مبطل للبيع ، أما مع شرط قطع أو قلع فلا يجب سقي كما بحثه السبكي إلا إذا لم يتأت قطعه إلا في زمن طويل يحتاج فيه إلى السقي فيكلفه على الأوجه أخذا من تعليلهم المذكور وإن نظر فيه الأذرعي ، وأما إذا لم يملك الأصل بأن باع الثمرة لمالك الشجرة فلا يجب أيضا لانقطاع العلق بينهما ( ويتصرف مشتريه بعدها ) أي : التخلية لحصول القبض بها كما مر مع بيان أن بيعها بعد أوان الجذاذ يتوقف القبض فيه على نقلها .

                                                                                                                              ( ولو عرض مهلك ) ، أو معيب ( بعدها ) من غير ترك سقي واجب ( كبرد ) بفتح الراء وإسكانها كما بخطه ( فالجديد أنه من ضمان المشتري ) لما تقرر من حصول القبض بها لخبر مسلم { أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتصدق على من أصيب في ثمر اشتراه } [ ص: 468 ] ولم يسقط ما لحقه من ثمنها ، فخبره أنه أمر بوضع الجوائح إما محمول على الأولى ، أو على ما قبل القبض جمعا بين الدليلين أما إذا عرض المهلك من ترك البائع للسقي الواجب عليه فهو من ضمانه ، ولو كان مشتري الثمر مالك الشجر ضمنه جزما كما لو كان المهلك نحو سرقة ، أو بعد أوان الجذاذ بزمن يعد التأخير فيه تضييعا ، أما ما قبلها فمن ضمان البائع فإن تلف البعض انفسخ فيه فقط ( فلو تعيب ) الثمر المبيع منفردا من غير مالك الشجر ( بترك البائع السقي ) الواجب عليه بأن كان ما يسقى منه باقيا بخلاف ما إذا فقد ( فله ) أي : للمشتري ( الخيار ) ؛ لأن التعيب الحادث بترك البائع ما لزمه كالسابق على القبض [ ص: 469 ] ومن ثم لو تلف به انفسخ العقد كما تقرر ( ولو بيع قبل ) ، أو بعد بدو ( صلاحه بشرط قطعه ، ولم يقطع حتى هلك فأولى بكونه من ضمان المشتري ) مما لم يشرط قطعه لتفريطه ، ومن ثم قطع بعضهم بكونه من ضمانه ، وقطع بعض آخر بكونه من ضمان البائع قال الأذرعي لا وجه له إذا أخر المشتري عنادا

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : والحمل ) تقدم فيه بحث في التأبير حاصله أن حمل النخل الثاني يكون للبائع إذا كان البيع بعد تأبير الحمل الأول أو بعضه وقضيته أنه إذا بدا صلاح الحمل الأول ، أو بعضه كفى عن صلاح الثاني ( قوله : فلا يجب ) أي : بعد التخلية م ر قال المحلي ثم البيع يصدق مع شرط القطع ، ولا يلزم فيه السقي بعد التخلية أخذا من تعليل يأتي ومفهومه لزوم السقي قبل التخلية ثم يمكن حمله على ما ذكره الشارح بقوله : إلا إذا لم يتأت إلخ ولا يخفى إشعار عبارته هذه بحصول القبض مع شرط القطع بالتخلية وتقدم ما فيه في أوائل الفصل ( قوله : إذا لم يتأت قطعه إلخ ) ظاهره أنه لا فرق في وجوب السقي حينئذ بين ما قبل التخلية وما بعدها ا هـ قوله : ( وأما إذا لم يملك ) من صور عدم ملك الأصل أيضا بيع الثمرة لثالث والظاهر أنه لا يجب هنا على البائع ( قوله : لانقطاع إلخ ) يؤخذ منه أن الحكم كذلك إذا باع الثمرة والشجرة معا .

                                                                                                                              ( قوله : على نقلها ) [ ص: 468 ] تقدم ما فيه ( قوله الواجب عليه ) أي : بعد التخلية كما هو صريح هذا الكلام ، قوله : فهو من ضمانه أي : فينفسخ البيع ( قوله : فلو تعيب الثمر ) قال في الروض فإن آل أي : التعييب إلى التلف ، وهو أي : المشتري عالم أي : به ، ولم ينفسخ فهل يغرم له البائع أي : البدل لعدوانه أم لا أي لتقصير المشتري بترك الفسخ مع القدرة وجهان قال في شرحه الأوجه الثاني وبسط الاستدلال له وعبارة العباب فإن أفضى أي : التعيب إلى تلفه فإن لم يعلم به أي : بالإفضاء إلى التلف المشتري حتى تلف انفسخ أي : البيع ، وإن علم به ، ولم يفسخ ففي غرم البائع له وجهان ا هـ ( قوله : منفردا إلخ ) فيه إشارة إلى عدم الخيار إذا بيع مع الشجر ، أو من مالك الشجر أي : لعدم وجوب السقي حينئذ على البائع ( قوله : بخلاف ما إذا فقد ) أي : فلا خيار بالتعيب بترك السقي .

                                                                                                                              ( قوله : كالسابق على القبض ) [ ص: 469 ] يفيد أن الكلام فيما بعد التخلية ( قول المصنف حتى هلك ) أي : بعد التخلية



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : ما لم يبدو ما بدا ) في البستان ، أو كل من البستانين ا هـ نهاية ( قوله : وإن اختلف النوع ) أي على الأصح كما مر ا هـ ع ش ( قوله والحمل ) تقدم فيه بحث في التأبير حاصله أن حمل النخل الثاني يكون للبائع إذا كان البيع بعد تأبير الحمل الأول ، أو بعضه وقضيته أنه إذا بدا صلاح الحمل الأول ، أو بعضه كفى عن صلاح الثاني ا هـ سم ( قوله : من غير شرط قطعه إلخ ) أي : بأن باع مطلقا ، أو بشرط إبقائه ا هـ ع ش ( قوله والأصل إلخ ) سيذكر محترزه بقوله : وأما إلخ ( قوله : إلى أوان الجداد ) صلة سقيه ( قوله : قدر ما ينميه ) فلا يكفي ما يدفع عنه التلف والتعيب بل لا بد من سقي ينميه على العادة في مثله ا هـ ع ش ( قوله : ويقيه ) عطف مغاير ا هـ ع ش ( قوله : فشرطه على المشتري إلخ ) أي : سواء شرط على المشتري سقيه من الماء المعد له ، أو من غيره ا هـ ع ش ( قوله أما مع شرط إلخ ) محترز قوله من غير شرط قطعه إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : فلا يجب إلخ ) أي : بعد التخلية م ر قال المحلي ثم البيع يصدق مع شرط القطع ، ولا يلزم فيه السقي بعد التخلية أخذا من تعليل يأتي ومفهومه لزوم السقي قبل التخلية ثم يمكن حمله على ما ذكره الشارح بقوله : إلا إذا لم يتأت إلخ ، ولا يخفى إشعار عبارته هذه بحصول القبض مع شرط القطع بالتخلية وتقدم ما فيه في أوائل الفصل ا هـ سم عبارة ع ش قوله : م ر لم يجب بعد التخلية مفهومه وجوب السقي قبل التخلية ، وإن أمكن قطعه حالا ، ولم يذكر حج هذا القيد فقضيته أنه لا فرق بين ما بعد التخلية وما قبلها ، وهو ظاهر ؛ لأن المشتري لا يستحق إبقاءه فلا معنى لتكليف البائع السقي الذي ينميه ثم رأيت سم على حج ذكر ما يوافق هذا فراجعه ، وقد يقال بوجوبه قبل التخلية كما أفهمه كلام الشارح م ر ويوجه بأن التقصير من البائع حيث لم يخل بين المشتري وبينه فإذا تلف بترك السقي كان من ضمانه ، وقد يصرح به قول المصنف أول باب المبيع قبل قبضه من ضمان البائع وأن البائع لا يبرأ بإسقاط الضمان عنه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : إلا إذا لم يتأت إلخ ) ظاهره أنه لا فرق في وجوب السقي حينئذ بين ما قبل التخلية وما بعدها ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله : وأما إذا لم يملك الأصل إلخ ) من صور عدم ملك الأصل أيضا بيع الثمرة الثالث والظاهر أنه لا يجب أيضا هنا على البائع ا هـ سم ( قوله : لانقطاع إلخ ) يؤخذ منه أن الحكم كذلك إذا باع الثمرة والشجرة معا سم على حج بقي ما لو باع الثمرة لزيد ثم باع الشجرة لعمرو هل يلزم البائع السقي أم لا فيه نظر والأقرب اللزوم ويوجه بأنه التزم له السقي فبيع الشجرة لغيره لا يسقط عنه ما التزمه ، وهذا بخلاف ما لو باع الثمرة لشخص ثم باعها المشتري لثالث فإن البائع لا يلزمه السقي على ما يؤخذ من كلام سم على حج ، وإن كان مالكا للشجرة ؛ لأن المشتري الثاني لم يتلق من البائع الأول فلا علقة بينهما ولكن نقل عن شيخنا الزيادي أنه يلزمه السقي لكونه التزمه بالبيع ا هـ ع ش وإلى هذا ميل القلب ( قوله : أي التخلية ) إلى قوله مع بيان في النهاية ( قوله : كما مر ) أي : في المبيع قبل قبضه ا هـ نهاية وقال الكردي أي عند قول المتن وقبض العقار ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : على نقلها ) تقدم ما فيه ا هـ سم وسيأتي مثله عن ع ش آنفا ( قوله : أو معيبا ) إلى قول المتن فإن سمح في النهاية ( قوله : لما تقرر من حصول القبض بها ) أي : وإن كان بيع الثمر بعد أوان الجداد كما تقدم في المبيع [ ص: 468 ] قبل قبضه ا هـ ع ش أي خلافا للتحفة ( قوله : ولم يسقط إلخ ) فلو كانت من ضمان البائع لأسقط صلى الله عليه وسلم الديون التي لحقته من ثمن الثمار التالفة ا هـ كردي ( قوله : من ثمنها ) أي : الثمر فكان الأولى التذكير ( قوله : فخبره ) أي : مسلم ( قوله : بوضع الجوائح ) أي : عن المشتري جمع جائحة ، وهي العاهة والآفة كالريح والشمس والأغربة أي : بوضع ثمن متلف الجوائح ا هـ بجيرمي ( قوله : بين الدليلين ) أي : خبري مسلم المارين آنفا .

                                                                                                                              ( قوله : أما إذا إلخ ) محترز قوله من غير ترك سقي واجب أي : وأما لو عرض التعيب من ذلك فسيأتي في المتن ا هـ رشيدي ( قوله : الواجب عليه ) أي : بعد التخلية كما هو صريح الكلام ا هـ سم أي : وتقدم ما فيه ( قوله فهو من ضمانه ) أي : فينفسخ العقد ا هـ سم أي : كما سيأتي في قوله حتى تلف بذلك انفسخ العقد عقب المتن الآتي ا هـ رشيدي ( قوله : ضمنه جزما ) أي : المشتري ، وهو واضح مما مر من عدم وجوب السقي على البائع وقياسه أن مثل ذلك ما لو باعها لغير مالك الشجرة حيث قلنا بعدم وجوب السقي عليه ا هـ ع ش ( قوله : كما لو كان إلخ ) أي : وقد تلف بعد التخلية والمراد أن كونه من ضمان المشتري لا خلاف فيه حينئذ ا هـع ش ( قوله : أو بعد أوان إلخ ) عطف على نحو سرقة ( قوله بزمن إلخ ) هذا القيد إنما يحتاج إليه إذا نشأ المهلك من ترك السقي أما إذا لم يكن كذلك فلا حاجة إليه لما تقدم أن المبيع بعد قبضه من ضمان المشتري ا هـ ع ش ( قوله أما ما قبلها إلخ ) محترز قول المتن بعدها أي : أما المهلك الذي عرض قبل التخلية فمن إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : فمن ضمان البائع ) أي : فينفسخ العقد بتلفه وكان ينبغي له ذكره ليظهر معنى قوله عقبه فإن تلف إلخ ولعله سقط من النساخ ا هـ رشيدي ، وقد يقال إن في صنيع الشارح احتباكا ( قوله : فمن ضمان البائع ) ظاهره ، وإن كان التلف والتعيب بترك السقي لما شرط قطعه ا هـ ع ش ( قوله : انفسخ فيه فقط ) أي : ويتخير المشتري قبل التخلية كما يتخير المشتري في الباقي إن كان التلف في الباقي إن كان التلف قبل القبض ا هـ ع ش ويأتي في الشرح وعن شرحي العباب والمنهج ما يصرح بأن قوله قبل القبض ليس بقيد ( قوله : فلو تعيب الثمن إلخ ) الظاهر أنه لا يشترط في التعيب هنا عروض ما ينقصه عن قيمته وقت البيع بل المراد به ما يشمل عدم نموه نمو نوعه لما مر أنه يجب عليه السقي قدر ما ينميه ويقيه من التلف ا هـ ع ش ( قوله : فلو تعيب الثمر إلخ ) قال في الروض فإن آل أي : التعيب إلى التلف ، وهو أي : المشتري عالم أي : به ، ولم يفسخ فهل يغرم له البائع أي : البدل لعدوانه أم لا أي لتقصير المشتري بترك الفسخ مع القدرة وجهان قال في شرحه الأوجه الثاني وبسط الاستدلال له ا هـ سم ، قوله : الأوجه إلخ اعتمده النهاية والمغني وقال السيد عمر ولعل محل الخلاف في غير مقدار الأرش أما مقداره فيستحقه المشتري قطعا فليتأمل اللهم إلا أن يقال المشتري مقصر بترك الفسخ والحال ما ذكر فلا أرش له أيضا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله منفردا إلخ ) فيه إشارة إلى عدم الخيار إذا بيع مع الشجر ، أو من مالك الشجر أي : لعدم وجوب السقي حينئذ على البائع ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله ما يسقي إلخ ) الموصول واقعة على الماء عبارة النهاية والمغني والإيعاب هذا كله ما لم يتعذر السقي فإن تعذر بأن غارت العين ، أو انقطع النهر فلا خيار له كما صرح به أبو علي الطبري ولا يكلف في هذه الحالة تكليف ماء آخر كما هو قضية نص الأم وكلام الجويني في السلسلة ا هـ قال ع ش قوله : تكليف ماء آخر ظاهره ، وإن قرب جدا ا هـ قول المتن ( فله الخيار ) أي : فورا ا هـ ع ش ( قوله : كالسابق على القبض ) يفيد أن الكلام فيما بعد التخلية ا هـ سم عبارة العباب مع شرحه للشارح ، وفي شرح المنهج نحوها ، وإن تلفت الثمرة بعطش انفسخ البيع مطلقا أي : قبل التخلية وبعدها لاستناد التلف [ ص: 469 ] إلى ترك السقي المستحق ، وإن تعيبت به أي : العطش ، ولو بعد القبض مع إمكان السقي تخير المشتري وإن قلنا الجائحة من ضمانه لاستناد العيب إلى ترك السقي المستحق ا هـ ( قوله : ومن ثم ) أي من أجل أن المستند إلى السابق على القبض كالسابق عليه ( قوله : لو تلف ) أي : كلا أو بعضا وقوله : ( انفسخ العقد ) أي : في الكل أو البعض .

                                                                                                                              ( قوله : لو تلف به ) أي : بترك البائع السقي ا هـ رشيدي ( قوله : كما تقرر ) أي بقوله : أما إذا عرض إلخ قول المتن ( ولو بيع ) أي : نحو ثمر وقوله : ( حتى هلك ) أي : بجائح نهاية قال سم أي : بعد التخلية ا هـ وقال ع ش أي : ولا فرق بين كونه قبل التخلية أو بعدها ا هـ أي : كما يفيده التعليل الآتي ( قوله وقطع بعض إلخ ) كذا في النهاية وقال الرشيدي هو م ر تابع في هذا للتحفة ولكن الذي في قوت الأذرعي ما نصه ولا وجه للخلاف إذا طالبه البائع بالقطع وأخر عنادا ، ولا سيما إذا ألزمه الحاكم به انتهى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : قال الأذرعي إلخ ) خبر قوله وقطع بعض إلخ وضمير له راجع إليه




                                                                                                                              الخدمات العلمية