الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا عبد بن حميد ) مصغرا ( حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ) بالتصغير ( حدثنا ) وفي نسخة أنا ( ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب ) بضم الجيم والدال وبفتح ( عن نوفل ) بفتح الفاء ( بن إياس ) بكسر الهمز ( الهذلي ) بضم هاء وفتح معجمة ( قال كان عبد الرحمن بن عوف ) وهو أحد العشرة المبشرة - رضي الله عنهم - ( لنا جليسا ) أي : مجالسا ( وكان نعم الجليس ) أي : هو ( وإنه ) بكسر الهمز ( انقلب ) أي : رجع ( بنا ) الباء بمعنى مع أو المصاحبة ، أي انقلب معنا أو مصاحبا لنا من السوق أو غيرها ، ويحتمل أن يكون للتعدية ، أي : ردنا من الطريق ( ذات يوم ) أي : يوما من الأيام ( حتى إذا دخلنا بيته ودخل ) قال شارح : أي بيته ، والصواب أنه دخل مغتسله ( فاغتسل ، ثم خرج ) قيل حتى ابتدائية ، والجملة بعدها تدل على أن الانقلاب معه صار سببا لمشاهدة هذه الأمور ، ( وأتينا ) بصيغة المجهول من الإتيان ( بصحفة فيها خبز ولحم ) وهي إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها ، وجمعها صحاف على ما في النهاية ( فلما وضعت ) أي : الصحفة ( بكى عبد الرحمن ، فقلت له يا أبا محمد ما يبكيك ؟ ) من الإبكاء ، أي : أي شيء يجعلك باكيا ؟ ( قال هلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : مات ، قال ابن حجر : فيه جواز استعمال هذا اللفظ في الأنبياء ، وقد استعمله فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير حديث ، قلت ، وقد قال تعالى في حق يوسف حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ( ولم يشبع هو وأهل بيته ) أي : نساؤه أو أولاده وأقاربه ( من خبز الشعير ) وفي رواية عن أبي هريرة أنه قال خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير . رواه البخاري ، أي : دائما ، وفي بيته أو يومين متواليين كما جاء عن عائشة ، فلا يشكل بما مر قريبا في قصة أبي الهيثم ، وفي الجملة فيه دليل على أن ضيق عيشه وقلة شبعه كان مستمرا في حال حياته إلى حين مماته خلافا لمن توهم خلاف ذلك ، فدل على أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر ، وكان عبد الرحمن تذكر ذلك ؛ لأن ما في الصحفة كان مشبعا له ولمن معه ( فلا أرانا ) بضم الهمز أي : فلا أظن إيانا ( أخرنا ) بصيغة المجهول ( لما خير لنا ) [ ص: 249 ] يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته ، إذا كانوا كذلك في الدنيا من ضيق العيش ، ونحن بعده في سعة تنعم ، فلا أظن أنا أبقينا للذي هو خير لنا ، كلا بل أكمل الأحوال هو ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من ضيق العيش إلى أن توفاه الله سبحانه ، وأما ما صرنا إليه من السعة فهو مما يخشى عاقبته ، ومن ثمة كان عمر وغيره - رضي الله عنهم - يخافون أن من هو كذلك ربما عجلت طيباته في الحياة الدنيا ، هذا وقد ضبط في الأصل : فلا أرى بصيغة المجهول المفرد وأنا بفتح الهمزة وتشديد النون ، ولم يظهر وجهه لعدم سبب حذف لام الفعل مع لا النافية .

التالي السابق


الخدمات العلمية