الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولا يستخلف قاض إلا أن يفوض إليه ذلك ) ; لأنه فوض إليه القضاء دون التقليد به فلا يتصرف في غير ما فوض إليه كالوكيل لا يوكل بدون إذن الموكل أطلقه فشمل ما إذا كان بعذر أو لا كما في العناية فلو استخلف بلا إذن فحكم الخليفة فأجازه القاضي جاز حيث كان الخليفة أهلا للقضاء فإن كان رقيقا أو محدودا في قذف أو كافرا لم يجز وكذا إذا قضى بحضرة القاضي كما في الوكالة ; لأن المقصود حضور رأيه وفي آخر جامع الفصولين القاضي لو قضى في كل أسبوع يومين بأن كان له ولاية القضاء في يومين من كل أسبوع لا غير فقضى في الأيام التي لم تكن له ولاية القضاء فإذا جاءت نوبته أجاز ما قضى جازت ا هـ فدخل الفضولي في القضاء وهو أعم من القاضي وظاهر كلامهم أن إجازة قضاء الفضولي لا تتوقف على كون الفضولي خليفة من قاض ليس له ولاية الاستخلاف بل لو قضى فضولي بلا استخلاف أصلا فأجازه القاضي جاز .

                                                                                        ثم اعلم أن قولهم كما في الوكالة معناه الوكالة بالبيع والنكاح ونحوهما أما الوكيل بالطلاق والعتاق إذا أجاز أو حضر لم يصح لأن المقصود عبارته كما في المنية وشمل التفويض إليه ما إذا كان صريحا بأن قال له ول من شئت أو دلالة كجعلتك قاضي القضاة والدلالة هنا أقوى ; لأن في الصريح المذكور يملك الاستخلاف لا العزل وفي الدلالة يملكهما كقوله ول من شئت واستبدل من شئت فإن قاضي القضاة هو الذي يتصرف فيهم مطلقا تقليدا وعزلا وإذا قال له ول من شئت واستخلف كان نائبا عن الإمام في التولية فلا يملك عزله كالوكيل إذا وكل بإذن ولا ينعزل بموته وينعزلان بموت الموكل بخلاف الوصي حيث يملك الإيصاء إلى غيره ويملك التوكيل والعزل في حياته لرضى الموصي بذلك دلالة لعجزه بخلاف الإمام والموكل وبخلاف المستعير فإن له الإعارة بشرطه ; لأنه لما ملك المنفعة ملك تمليكها وفي الملتقط القاضي إذا استخلف خليفة فقضى للقاضي لا يجوز والطريق فيه أن يتحاكما أو ينصب الإمام قاضيا آخر لهذه الحادثة . ا هـ .

                                                                                        وفي السراجية القاضي إذا وقعت له حادثة أو لولده فأناب غيره وكان من أهل الإنابة تخاصما عنده وقضى له أو لولده جاز القاضي إذا قضى للإمام الذي قلده القضاء أو لولد الإمام جاز ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية كما في السراجية وفي الخلاصة الخليفة إذا أذن للقاضي في الاستخلاف فاستخلف رجلا وأذن له في الاستخلاف جاز له الاستخلاف ثم وثم ا هـ .

                                                                                        وفيها وإن أرادوا أن يثبتوا قضاء الخليفة عند القاضي الأصلي فهو كما لو أثبتوا قضاء [ ص: 7 ] قاض آخر عند هذا القاضي وفي أدب القاضي للصدر الشهيد النائب يقضي بما شهدوا عند الأصل وكذا الأصل يقضي بما شهدوا عند النائب ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية جرى الخلع بين الزوجين عند القاضي مرتين فقال نائبه كان قد جرى عندي مرة أخرى والزوج ينكر فقال القاضي الإمام لا يقضي القاضي بالحرمة الغليظة بكلام النائب أما النائب يقضي بكلام القاضي إذا أخبره ا هـ .

                                                                                        ثم قال في نوع في الإمضاء والنائب يقضي بما شهدوا عند الأصل وكذا القاضي يقضي بما شهدوا عند النائب أمر القاضي الخليفة أن يسمع القضية والشهادة ويكتب الإقرار ولا يقطع الحكم يفعل ما أمره القاضي وليس له أن يحكم ليس للقاضي أن يحكم بإخبار خليفته بشهادة الشهود عنده ; لأنه ليس بقاض وكذا لو أخبره بإقرار رجل إلا أن يشهد هو مع آخر وقد تناطقت أجوبة أئمتنا بخوارزم أن شهادة مسخرة القاضي وشهادة الوكلاء المفتعلة ببابه لا تقبل بخلاف نوابهم إلا أهل العدل وقد رأيت بنواحي خوارزم وبها جماعة ممن فوض إليهم القضاء وكذا ببعض نواحي دشت . لا يصح القضاء بشهادتهم فكيف قضاؤهم وسئلت عن شهادة بعضهم أنه تقبل فقلت : نعم تقبل مع عدلين وكل ذلك من تهاون أمر الدشت بالشرع وقد رأيت من العجائب أن واحدا من أمرائه الذي يدعي أنه لم يمض مثله دينا قلد قضاء مدينة إلى شاب جاهل لا يعرف قرآنا ولا خطا حتى يقضي بأربعة مذاهب فقلت : له فيه فقال أنا أعلم بالمصلحة والله يعلم المفسد من المصلح . ا هـ .

                                                                                        فالحاصل أن القاضي إذا ولى الخليفة القضاء عمل بقوله وإن ولاه سماع الدعوى والشهادة فقط لا يعمل بقوله فلا تناقض كما لا يخفى وفائدة هذا الاستخلاف أن ينظر الخليفة هل للمدعي شهود أو يكذب فلعل له شهودا إلا أنهم غير عدول وقد لا تتفق ألفاظهم فيفوض القاضي النظر إلى الخليفة كذا في الخانية وقد سئلت عن صحة تولية القاضي ابنه قاضيا حيث كان مأذونا له بالاستخلاف فأجبت بنعم والله أعلم أطلق في الاستخلاف فشمل ما إذا كان مذهب الخليفة موافقا لمذهب القاضي أو مخالفا وفي البزازية ولو فوض إلى غيره ليقضي على وفق مذهبه نفذا إجماعا . ا هـ .

                                                                                        وظاهر إطلاقهم أن المأذون له بالاستخلاف صريحا أو دلالة يملكه قبل الوصول إلى محل قضائه كما يملكه بعهده وقد جرت عادتهم إذا ولوا ببلد السلطان قضاء بلدة بعيدة بإرسال خليفة يقوم مقامهم إلى حضورهم وقد سئلت عنها في سنة تسع وتسعين وتسعمائة فأجبت بذلك والله الموفق ثم رأيت الأجل الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء للخصاف قال في الباب السادس عشر القاضي إنما يصير قاضيا إذا بلغ الموضع الذي قلد فيه القضاء ألا ترى أن الأول لا ينعزل ما لم يبلغ هو البلد الذي قلد فيه القضاء فكان هو في ذلك المكان بمنزلة واحد من الرعايا . ا هـ .

                                                                                        وهو يفيد أن القاضي لا يملك الاستخلاف قبل وصوله إلى محل عمله لكنه ذكر في الباب السادس أنه ينبغي للقاضي أن يقدم نائبه قبل وصوله حتى يتعرف على أحوال الناس ا هـ .

                                                                                        إلا أن يقال إن قاضي القضاة مأذون بالاستخلاف قبل الوصول من السلطان فلا كلام وهذا هو الواقع الآن وقيد باستخلافه قاضيا ; لأن له التوكيل والإيصاء بلا إذن السلطان وأورد هذا إشكالا على منعه من تقليد القضاء فإن التعليل المذكور يجري فيها وأجاب عنه في العناية بأن المقلد يفعل ما لا يفعله الوكيل والوصي فيكون توقع الفساد في القضاء أكثر . ا هـ .

                                                                                        ( قوله بخلاف المأمور في الجمعة ) يعني فإن له الاستخلاف وإن لم يفوض إليه ذلك ; لأن الإمام الأعظم لما فوضها إليه مع علمه أن العوارض المانعة من إقامتها من المرض والحدث في الصلاة مع ضيق الوقت وغيرهما تعتريه ولا يمكن انتظار الإمام الأعظم ; لأنها لا تحتمل التأخير عن الوقت فكان إذنا له بالاستخلاف دلالة وتأخير سماع الخصومة إلى وجود الإذن من الإمام الأعظم ممكن ; لأنه غير مؤقت بوقت كذا في المعراج فظاهره أن الاستخلاف جائز وإن لم يكن لسبق الحدث في الصلاة كما إذا مرض الخطيب أو سافر أو حصل [ ص: 8 ] له مانع فاستناب خطيبا مكانه وفي فروق الكرابيسي ما يفيده أيضا فإنه قال فرق بين القاضي والإمامة فإن القاضي لا يملك الاستخلاف إلا بإذن والإمام للجامع يملك بدونه والفرق أن الضرورة متحققة هاهنا لجواز أن يسبقه الحدث قبل الصلاة فلو توقف على الإذن تفوت الجمعة ولا كذلك في القضاء . ا هـ .

                                                                                        وبهذا علم أن ما ذكره في شرح الدرر والغرر من أن الخطيب ليس له الاستخلاف ابتداء إلا بإذن لا أصل له فإنما هو فهم فهمه من بعض العبارات وقد صرح العلامة محب الدين بن جرباش شيخ شيخنا في النجعة في تعداد الجمعة بأن إذن السلطان بإقامة الخطبة شرط أول مرة فيكون الإذن منسحبا لتولية النظار الخطباء وإقامة الخطيب نائبا ولا يشترط الإذن لكل خطيب وقد أوضحناه في الجمعة ثم إن أحدث الخطيب بعدما خطب قبل الشروع في الصلاة لم يجز له أن يستخلف إلا من شهد الخطبة ; لأنها شرط فيها فلا تنعقد بدونها وإن كان شرع فيها جاز أن يستخلف من لم يدركها لانعقادها بالأصل فكان الثاني بانيا وفي العناية واعترض بمن أفسد صلاته ثم افتتح بهم الجمعة فإنه جائز وهو مفتتح في هذه الحالة لم يشهد الخطبة وأجيب بأنه لما صح شروعه في الجمعة وصار خليفة للأول التحق بمن شهد الخطبة وأرى أن إلحاقه بالباني لتقدم شروعه في تلك الصلاة الأولى فتأمل . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 6 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 6 ] قول المصنف ولا يستخلف قاض إلا أن يفوض إليه ) قال الرملي وفي التتارخانية نقلا عن شرح الطحاوي وليس للقاضي أن يولي القضاء غيره إلا إذا كان مكتوبا في منشوره ذلك أو قيل له ما صنعت من شيء فهو جائز فإن ولى غيره من غير هذا يكون قضاؤه موقوفا على إجازة الأول ( م ) ولو أن الخليفة لم يأذن له في الاستخلاف فأمر رجلا فحكم بين اثنين لم يجز حكمه ثم إن القاضي لو أجاز ذلك الحكم ينظر إن كان بحال يجوز حكمه لو كان قاضيا جاز إمضاء القاضي حكمه وإن كان بحال لا يجوز حكمه لو كان قاضيا ينظر إن كان مما يختلف فيه الفقهاء كالمحدود في القذف جاز إمضاؤه ذلك وإن كان عبدا أو صبيا لم يجز وإن كان الخليفة أذن للقاضي في الاستخلاف فاستخلف غيره جاز فهذا القاضي الثاني يصير قاضيا من جهة الخليفة لا من جهة القاضي الأول حتى لو أراد القاضي الأول أن يعزل الثاني لم يكن له ذلك إلا إذا قال الخليفة للأول تستبدل من شئت . ا هـ .

                                                                                        ( قوله فدخل الفضولي في القضاء ) المصرح به أن القضاء عقد من العقود وإن كل عقد لا مجيز له حال صدوره من الفضولي لا يتوقف فكذا يجب أن يكون قضاء الفضولي إن كان له مجيز حال صدوره يتوقف وما لا فلا كدار الحرب حيث لا سلطان ولا قاضي ولو قضى بعد منعه ينبغي أن يكون موقوفا وفتوى من أفتى بعدم الصحة محمولة على عدم النفاذ حتى يجاز وبعدم صحة إجازته محمول على الإجازة الإجمالية فتأمل والله تعالى الموفق كذا بخط بعض الفضلاء .

                                                                                        ( قوله وظاهر كلامهم إلخ ) قال الرملي بل هو داخل في قولهم كلما صح التوكيل إذا باشره الفضولي يتوقف وفي قولهم كل عقد صدر وله مجيز حال وقوعه انعقد موقوفا على إجازته والقضاء عقد من العقود الشرعية يصح التوكيل فيه بشرطه تأمل وتقدم الكلام في ذلك في بيع الفضولي ( قوله القاضي إذا قضى للإمام الذي قلده إلخ ) قال الرملي وجهه أن القاضي نائب عن العامة كما في المحيط وإذا كان كذلك فلم يكن فعله منسوبا إليه ومن قال بأن القاضي نائب عن السلطان فلعل وجهه عنده انحصار الطريق فيه إذ الحكم من الإمام بمنزلة القاضي المولى فلا طريق إلى التحكيم فجاز ذلك فتحا لباب القضاء له وسيأتي أن الحكم من الإمام بمنزلة القاضي ولم أر من حرر ذلك تأمل ( قوله وفي البزازية كما في السراجية ) قال الرملي فثبت أن في المسألة قولين وجه ما في السراجية أن الخليفة ليس نائبا عنه وإنما هو نائب عن السلطان أو العامة فانقطعت النسبة لكن في الأشباه والنظائر أنهم نواب القاضي في زماننا من كل وجه وعليه ينبغي ترجيح ما في الملتقط لما في قضائه له من التهمة إذ فعل النائب كفعله فصار كأنه قضى لنفسه ولم أر من رجح أحد القولين والله تعالى أعلم [ ص: 7 ]

                                                                                        ( قوله أمر القاضي الخليفة ) أي خليفة القاضي ( قوله ا هـ ) أي : كلام البزازية .

                                                                                        ( قوله لكنه ذكر في الباب السادس إلخ ) قال في النهر ومقتضى الأول أنه لا يستخلف والثاني أنه يستخلف فيحمل على إرسال النائب بإذن الخليفة أو أن ذلك معروف بينهم ا هـ .

                                                                                        وفي حاشية أبي السعود وأقول : جواز إرساله لتعرف أحوال الناس لا يستفاد منه جواز حكمه قبل وصول المرسل ثم رأيت بخط السيد الحموي عن بعض الفضلاء ما نصه ليس المراد محض الإرسال إنما المراد الإرسال على أن يحكم وهو ممنوع إلخ وحينئذ فلا يعول على ما أفتى به صاحب البحر من جواز استخلافه قبل وصوله إلى محل قضائه ا هـ .

                                                                                        ما في الحاشية وأقول : لا يخفى أن الكلام في صحة الاستخلاف ولا شك أن قوله نائبه يفيد ذلك ، وأما أن له أن يحكم أولا فبحث آخر لا ذكر له في كلام صاحب البحر لا سيما وقد انضم إليه أنه الواقع الآن وقد ذكر أوائل كتاب القضاء وإذا عزله السلطان لا ينعزل ما لم يصل إليه الخبر كالوكيل وعن الثاني ما لم يأت قاض آخر صيانة للمسلمين من تعطيل قضاياهم ا هـ .

                                                                                        فما مشى عليه الصدر الشهيد أولا مبني على هذه الرواية وحيث كانت العلة ما ذكر فلا مانع من أن يقال وصول نائبه كوصوله فيفيد أن لنائبه الحكم تأمل [ ص: 8 ]

                                                                                        ( قوله وفي فروق الكرابيسي إلخ ) قال الرملي قلت : كلام صاحب الفروق إنما يفيد جواز الاستخلاف في الصلاة عند الحدث لكونها على شرف الفوات فلا ينهض حجة على منلا خسرو القائل بعدم جواز الاستنابة في الخطبة بدون إذن الإمام فليتأمل ا هـ .

                                                                                        ذكره الغزي أقول : وقد رد عليه ابن كمال باشا في رسالة له ردا بليغا فقال بقي هنا دقيقة أخرى وهي أن إقامة الجمعة عبارة عن أمرين الخطبة والصلاة والموقوف على الإذن هو الأول دون الثاني وتمامه فيه ( قوله بأن إذن السلطان بإقامة الخطبة شرط أول مرة للباني إلخ ) وهكذا أجاب به العلامة أحمد يونس الشلبي حيث سئل عن ثغر فيه جوامع ولها خطباء ولم يكن منهم إذن صريح من السلطان فأجاب بأن أمور المسلمين محمولة على السداد وقد جرت العادة بأن من أنشأ جامعا وأراد إقامة الجمعة استأذن الإمام وإذا وجد الإذن أول إقامتها حصل الغرض والإذن بعده ولو تطاولت المدة وتغيرت البلاد ليس بمفترض ا هـ . ملخصا .

                                                                                        ( قوله واعترض بمن أفسد صلاته إلخ ) أي بما لو استخلف شخصا لم يشهد الخطبة ثم أفسد صلاته ثم افتتح بهم الجمعة .




                                                                                        الخدمات العلمية