الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4248 [ 2212 ] وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: " إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض - وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها".

                                                                                              وفي رواية: ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات، فقال: "إني فرطكم على الحوض، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة، إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها وتقتتلوا، فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم".

                                                                                              قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر.

                                                                                              رواه أحمد ( 4 \ 149 )، والبخاري (1344)، ومسلم (2296) (30 و 31)، وأبو داود (3223)، والنسائي ( 4 \ 61 ). [ ص: 93 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 93 ] و (قول عقبة : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ") أي: دعا لهم بدعاء الموتى، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان قد استقبل القبلة، ودعا لهم، واستغفر، وهذا كما فعل حيث أمره الله تعالى أن يستغفر لأهل البقيع ، فقام عليهم ليلا، واستغفر لهم، ثم انصرف، كما تقدم في الجنائز.

                                                                                              و (قوله: " أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ") أي: بشر بفتح البلاد، وإظهار الدين، وإعلاء كلمة المسلمين، وتمليكه جميع ما كان في أيدي ملوكها من الصفراء، والبيضاء، والنفائس، والذخائر، فقد ملكه الله ديارهم، ورقابهم، وأرضيهم، وأموالهم. كل ذلك وفاء بمضمون: ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون [التوبة: 33].

                                                                                              و (قوله: " إني والله لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ") يعني: أنه قد أمن على جملة أصحابه أن يبدلوا دين الإسلام بدين الشرك. ولا يلزم من ذلك ألا يقع ذلك من آحاد منهم، فإن الخبر عن الجملة لا يلزم صدقه على كل واحد من آحادها دائما، كيف لا؟ ! وهو الذي أخبر بأن منهم من يرتد بعد موته صلى الله عليه وسلم كما جاء نصا في غير ما موضع من أحاديث الحوض وغيرها، وقد ظهر في الوجود ردة كثير ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم وصلى معه، وجاهد، ثم كفر بعد موته. وقد تقدم قول ابن إسحاق وحكايته: أنه لم يبق بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم مسجد من مساجد المسلمين إلا كان في أهله ردة، إلا ما كان من ثلاثة مساجد. وقتال أبي بكر رضي الله عنه لأهل الردة معلوم متواتر، وإذا كان كذلك فيتعين حمل هذا الحديث على ما ذكرناه.

                                                                                              [ ص: 94 ] ويحتمل أن يكون هذا خبرا عن خصوص أصحابه الذين أعلمه الله تعالى بمآل حالهم، وأنهم لا يزالون على هدي الإسلام وشرعه إلى أن يلقوا الله ورسوله على هديه، إذ قد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكثير منهم بذلك، وشوهدت استقامة أحوالهم حتى توفاهم الله تعالى عليه، ويحتمل أن يحمل هذا الخبر على جميع الأمة، فيكون معناه: الإخبار عن دوام الدين، واتصال ظهوره إلى قيام الساعة، وأنه لا ينقطع بغلبة الشرك على جميع أهله، ولا بارتدادهم، كما قد شهد بذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة. والأول أظهر من الحديث، والله أعلم.

                                                                                              و (قوله: " ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا ") هذا الذي توقعه النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي وقع بعده، فعمت الفتن، وعظمت المحن، ولم ينج منها إلا من عصم، ولا يزال الهرج إلى يوم القيامة، فنسأل الله تعالى عاقبة خير وسلامة.




                                                                                              الخدمات العلمية