الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ( 25 ) ) .

قوله تعالى : ( إنما اتخذتم ) : في " ما " ثلاثة أوجه ؛ أحدها : هي بمعنى الذي ، والعائد محذوف ؛ أي اتخذتموه . و " أوثانا " مفعول ثان ، أو حال . و " مودة " : الخبر ، على قراءة من رفع ؛ والتقدير : ذوو مودة . والثاني : هي كافة ؛ وأوثانا مفعول ثان . ويجوز أن يكون النصب على الصفة ؛ أيضا ؛ أي ذوي مودة . والوجه الثالث : أن تكون " ما " مصدرية ، و " مودة " بالرفع : الخبر ؛ ولا حذف في هذا الوجه في الخبر ؛ بل في اسم " إن " والتقدير : إن سبب اتخاذكم مودة .

ويقرأ " مودة " بالإضافة في الرفع والنصب .

[ ص: 300 ] و ( بينكم ) بالجر ، وبتنوين مودة في الوجهين جميعا ونصب بين .

وفيما يتعلق به : " في الحياة الدنيا " سبعة أوجه :

الأول : أن تتعلق باتخذتم إذا جعلت " ما " كافة ، لا على الوجهين الآخرين ؛ لئلا يؤدي إلى الفصل بين الموصول وما في الصلة بالخبر . والثاني : أن يتعلق بنفس مودة إذا لم تجعل " بين " صفة لها ؛ لأن المصدر إذا وصف لا يعمل . والثالث : أن تعلقه بنفس " بينكم " لأن معناه اجتماعكم أو وصلكم . والرابع : أن تجعله صفة ثانية لمودة إذا نونتها وجعلت " بينكم " صفة . والخامس : أن تعلقها بمودة ، وتجعل " بينكم " ظرف مكان ، فيعمل " مودة " فيهما . والسادس : أن تجعله حالا من الضمير في " بينكم " إذا جعلته وصفا لمودة . والسابع : أن تجعله حالا من " بينكم " لتعرفه بالإضافة .

وأجاز قوم منهم أن تتعلق " في " بمودة ؛ وإن كان " بينكم " صفة ؛ لأن الظروف يتسع فيها بخلاف المفعول به .

قال تعالى : ( ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( 28 ) ) .

قوله تعالى : ( ولوطا ) : معطوف على نوح . وقد ذكر .

قال تعالى : ( ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين ( 33 ) إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ( 34 ) ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون ( 35 ) وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال ياقوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( 36 ) فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ( 37 ) وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ( 38 ) وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين ( 39 ) فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 40 ) ) .

[ ص: 301 ] قوله تعالى : ( إنا منجوك وأهلك ) : الكاف في موضع جر عند سيبويه ؛ فعلى هذا ينتصب " أهلك " بفعل محذوف ؛ أي وننجي أهلك ؛ وفي قول الأخفش : هي في موضع نصب أو جر ، وموضعه نصب فتعطف على الموضع ؛ لأن الإضافة في تقدير الانفصال كما لو كان المضاف إليه ظاهرا ؛ وسيبويه يفرق بين المضمر والمظهر ، فيقول لا يجوز إثبات النون في التثنية والجمع مع المضمر كما في التنوين ؛ ويجوز ذلك كله مع المظهر .

والضمير في " منها " للعقوبة .

و ( شعيبا ) : معطوف على نوح ؛ والفاء في " فقال " : عاطفة على أرسلنا المقدرة .

و ( عادا وثمود ) : أي واذكر ، أو وأهلكنا .

( وقارون ) وما بعده كذلك ؛ ويجوز أن يكون معطوفا على الهاء في " صدهم " .

و ( كلا ) : منصوب بـ " أخذنا " . و " من " في " من أرسلنا " وما بعدها : نكرة موصوفة ؛ وبعض الرواجع محذوف .

قال تعالى : ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ( 41 ) ) .

والنون في عنكبوت أصل ، والتاء زائدة ، لقولهم في جمعه : عناكب .

التالي السابق


الخدمات العلمية