الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              - المطلب الثاني: الموقوف عليه:

              يقصد بالموقوف عليه الجهة المستفيدة من الوقف، ولما كان غاية الوقف القربة، فقد كانت القربة ودوامها هي مدار كلام الفقهاء عند بحثهم لشروط الجهة الموقوف عليها وهي:

              1- أن يكون الموقوف عليه جهة بر:

              إن الحكمة من مشروعية الوقف، هو كونه صدقة من العبد، يبغي فيها قربة إلى الله ورضاه. وقد دلت الأحاديث والآثار، بمجموعها، على وصف الوقف بالصدقة. إلا أن الوقف قد وقع من بعض متأخري التابعين على الأغنياء وهم ليسوا من أهلها. [ ص: 49 ] لذا حدث خلاف كبير بين الفقهاء في اشتراط كون الموقوف عليه جهة بر، كالآتي:

              أولا: الشافعية:

              الظاهر من أقوال الفقهاء في المذهب الشافعي، أنهم لا يشترطون القربة في الوقف، بل إن جل ما يشترطونه هو أن لا يكون الوقف على جهة معصية.

              جاء في المهذب [1] : «ولا يصح الوقف إلا على بر ومعروف». وقال الماوردي [2] : «أن لا يكون على معصية، فإن كان على معصية لم يجز».

              لذا فالوقف عندهم أن لا يكون على جهة معصية، فالشرط انتفاء المعصية لا وجوب ظهور القربة [3] .

              ثانيا: مذهب الحنابلة:

              اشترط الحنابلة في عباراتـهم أن يـكون الموقوف عليه جهة بر، وأن لا يكون جهة معصية، وإن لم يكن قربة، بل يكفي أن يكون أمرا معروفا غير مستنكر من الشرع.

              قال ابن قدامة [4] : «وإذا لم يكن الوقف على معروف أو بر فهو باطل». [ ص: 50 ]

              ثالثا: مذهب المالكية:

              لم يجعل فقهاء المالكية من القربة أو البر شرطا في الموقوف عليه، بل إن شرطهم يقتصر في الجهة الموقوف عليها أن لا تكون جهة معصية. بل إنهم يجيزون الوقف على المكروه، قال بعض المالكية في الوقف المتفق على كراهته: «تصرف الغلة إلى جهة قريبة من الجهة التي وقف عليها» [5] . ويقول الدردير في إبطال الوقف على المعصية: «وبطل الوقف على المعصية، كجعل غلته في ثمن خمر أو حشيش أو لقتال غير جائز» [6] .

              رابعا: مذهب الحنفية:

              شدد الحنفية على أن يكون الوقف برا يتقرب به إلى الله سبحانه، وقد عقب ابن الهمام على ما جاء في بعض تعاريف الحنفية في كون الوقف «حبس للعين على ملك الواقف والتصدق بمنفعتـها، أو صرف غلتها» قائلا [7] : «وإنمـا قلنـا: أو صرف منفعتها؛ لأن الوقف يصح لمن يحب من الأغنياء، بلا قصد القربة، وهو إن كان لابد في آخره من القربة بشرط التأبيد».

              ويميل الباحث إلى ترجيح أن يكون الجهة الموقوف عليها جهة بر، ويبغي منها التقرب إلى الله؛ ذلك لأن الآثار المتوفرة لدينا من أحاديث وأفعال الصحابة تدل على أن القصد من الوقف كان قربة لله تعالى. [ ص: 51 ]

              2- أن تكون الجهة الموقوف عليها غير منقطعة:

              لا اختلاف بين الفقهاء على صحة الوقف الذي يكون معلوم الابتداء والانتهاء غير منقطع، مثلا أن يجعل على الفقراء أو طائفة لا يتوقع انقراضها كطلاب العلم مثلا.

              وقد اختار الماوردي القول بالبطلان قولا واحدا [8] .

              ويذهب الباحث إلى ترجيح عدم جـوازه مستدلا بقول أبي زهرة، رحمه الله، حيث قال في هذا المجال: «ولئن كان لنا أن نختـار من بينها رأيا نرى في العمل به مصـلحة ويلتئم الالتئام من مرمى الشارع في الوقف ومعناه، لا نختار سوى مذهب مالك، رحمه الله، فإنه لا يجيز للواقف أن يشترط الغلات لنفسه، ولا أن يأكل منها بالشرط إلا إذا استثنى لنفسه شيئا يسيرا، بحيث لا يتهم قصد حرمان ورثته، وإلا إذا احتاج» [9] .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية