الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا تكارى أهل الذمة دورا فيما بين المسلمين ليسكنوا فيها ) في المصر ( جاز ) لعود نفعه إلينا وليروا تعاملنا فيسلموا ( بشرط عدم تقليل الجماعات لسكناهم ) شرطه الإمام الحلواني ( فإن لزم ذلك من سكناهم أمروا بالاعتزال عنهم والسكنى بناحية ليس فيها مسلمون ) وهو محفوظ عن أبي يوسف بحر عن الذخيرة ، وفي الأشباه : واختلف في سكناهم بيننا في المصر والمعتمد الجواز في محلة خاصة انتهى وأقره المصنف وغيره ، لكن رده شيخ الإسلام جوى زاده وجزم بأنه فهم خطأ فكأنه فهم من الناحية المحلة ، وليس كذلك فقد صرح التمرتاشي في شرح الجامع الصغير بعدما نقل عن الشافعي أنهم يؤمرون ببيع دورهم في أمصار المسلمين وبالخروج عنها ، وبالسكنى خارجها لئلا يكون لهم محلة خاصة [ ص: 211 ] نقلا عن النسفي ، والمراد أي بالمنع المذكور عن الأمصار أن يكون لهم في المصر محلة خاصة يسكنونها ولهم فيها منعة عارضة كمنعة المسلمين فإما سكنا بينهم وهم مقهورون ، فلا وذلك كذا في فتاوى الإسكوبي فليحذر

التالي السابق


( قوله وإذا تكارى إلخ ) شروع في الكراء بعد الفراغ من الشراء وظاهر كلام المصنف الفرق بينهما ، وهو مبني على القول بالجبر على البيع مطلقا وقد علمت أن المعول عليه القول بالتفصيل ، فلا فرق بين الكراء والشراء بل أصل العبارة المذكورة إنما هو في الشراء كما نقلناه آنفا عن السرخسي ( قوله في المصر ) الظاهر أنه غير قيد بعد اعتبار الشرط المذكور ( قوله ليس فيها مسلمون ) هو في معنى ما مر من قوله ليس فيها للمسلمين جماعة لأن من شأن المسلمين إقامة الجماعة ( قوله لكن رده إلخ ) وعبارته كما رأيته في حاشية الحموي وغيرها قوله في محلة خاصة ، هذا اللفظ لم أجده لأحد وإنما الموجود في الكتب أن الجواز مقيد بما ذكره الحلواني بقوله هذا إذا قلوا بحيث لا تتعطل بسبب سكناهم جماعات المسلمين ، ولا تتقلل أما إذا تعطلت أو تقللت ، فلا يمكنون من السكنى فيها ، ويسكنون في ناحية ليس فيها للمسلمين جماعة ، فكأن المصنف فهم من الناحية المحلة ، وليس كذلك بل قد صرح التمرتاشي في شرح الجامع الصغير بعدما نقل عن الشافعي أنهم يؤمرون ببيع دورهم في أمصار المسلمين ، والخروج عنها وبالسكنى خارجها لئلا تكون لهم منعة كمنعة المسلمين بمنعهم عن أن تكون لهم محلة خاصة حيث قال بعدما ذكرناه نقلا عن النسفي ، والمراد أي بالمنع المذكور عن الأمصار أن يكون لهم في المصر محلة خاصة يسكنونها ولهم فيها منعة كمنعة المسلمين فأما سكناهم بينهم وهم مقهورون فلا كذلك ا هـ .

قلت : وقوله بمنعهم متعلق بقوله صرح وقوله : حيث قال أي التمرتاشي وحاصل كلامه أن المحلة من جملة المصر مع أن الحلواني قال : لا يمكنون من السكنى فيها أي في المصر ويسكنون في ناحية إلخ فهو صريح بأنه إذا لزم تقليل الجماعة يسكنون في ناحية خارجة عن المصر فهي غير المحلة ، وصريح كلام التمرتاشي أيضا منعهم عن أن يكون لهم محلة خاصة في المصر وإنما يسكنون بينهم مقهورين ، يعني إذا لم يلزم تقليل الجماعة ، فتحصل من مجموع كلام الحلواني والتمرتاشي : أنه إذا لزم من سكناهم في المصر تقليل الجماعة أمروا بالسكنى في ناحية خارج المصر ، ليس فيها جماعة للمسلمين وإن لم يلزم ذلك يسكنون في المصر بين المسلمين مقهورين لا في محلة خاصة في المصر لأنه يلزم منه أن يكون لهم في مصر المسلمين منعة كمنعة المسلمين ، بسبب اجتماعهم في محلتهم فافهم ( قوله أنهم يؤمرون ) [ ص: 211 ] مفعول نقل ط ( قوله نقلا ) حال من فاعل صرح بتأويل اسم الفاعل . ا هـ . ح .

( قوله والمراد ) الأوضح أن يقول بأن المراد ، ويكون متعلقا بصرح ط ( قوله ولهم فيها منعة ) الواو للحال والمنعة بفتح النون جمع مانع أي جماعات يمنعونهم من وصول غيرهم إليهم أفاده ح وقوله : عارضة صفة منعة وعروضها إنما هو بسبب اجتماعهم في محلة خاصة وقوله فأما سكناهم إلخ مقابلة أي أن سكناهم بين المسلمين ، لا في محلة خاصة بل متفرقين بينهم وهم مقهورون لهم فلا كذلك أي فلا يكون ممنوعا .

مطلب في منعهم عن التعلي في البناء على المسلمين [ تنبيه ] قال في الدر المنتقى وكذا يمنعون عن التعلي في بنائهم على المسلمين ومن المساواة عند بعض العلماء نعم يبقى القديم كما في الوهبانية وشروحها وفي المنظومة المحبية : ويمنع الذمي من أن يسكنا أو أن يحل منزلا عالي البنا إن كان بين المسلمين يسكن
بل أهل ذمة على ما بينوا . ا هـ . قلت : ومقتضى النظم الذي ذكره المنع ولو البناء قديما لأنه علق المنع على السكنى لا على التعلية في البناء لكن سئل في الخيرية عن طبقة ليهودي راكبة على بيت لمسلم ، يريد المسلم منعه من سكناهم ، ومن التعلي عليه فأجاب : بأنه ليس للمسلم ذلك فقد جوزوا إبقاء دار الذمي العالية ، على دار المسلم وسكناها إذا ملكها ما لم تنهدم فإنه لا يعيدها عالية كما كانت ، وممن صرح بذلك ابن الشحنة في شرح النظم الوهباني وكثير من علمائنا . ا هـ .

وذكر في جواب سؤال آخر أنه إذا كان التعلي للتحفظ من اللصوص ، لا يمنع منه لأنهم نصوا على أنهم ليس لهم رفع بنائهم على المسلمين وعلة المنع مقيدة بالتعلي على المسلمين ، فإذا لم يكن ذلك بل للتحفظ ، فلا يمنعون كما هو ظاهر ا هـ وقال قارئ الهداية في فتاواه : أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين فما جاز للمسلم فعله في ملكه جاز لهم وما لا فلا وإنما يمنع من تعلية بنائه إذا حصل لجاره ضرر كمنع ضوء وهواء قال : هذا هو ظاهر المذهب ، وذكر القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج أن للقاضي منعهم من السكنى بين المسلمين ، بل يسكنون منعزلين قال قارئ الهداية : وهو الذي أفتي به أنا ا هـ أي لأنه إذا كان له منعهم من السكنى بيننا ، فله منعهم من التعلي بالأولى ، وذكر في جواب آخر لا يجوز لهم أن يعلوا بناءهم على بناء المسلمين : ولا أن يسكنوا دارا عالية البناء بين المسلمين بل يمنعون أن يسكنوا محلات المسلمين . ا هـ .

وهذا ميل منه إلى ما نقله عن أبي يوسف وأفتى به أولا أيضا والظاهر أن قوله هذا هو ظاهر المذهب ، يرجع إلى قوله أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين ، ولما كان لا يلزم منه أن يكونوا مثلهم فيما فيه استعلاء على المسلمين أفتى في الموضوعين بالمنع لما قدمه الشارح عن الحاوي من أنه ينبغي أن يلازم الصغار فيما يكون بينه ، وبين المسلمين في كل شيء ، ولا يخفى أن استعلاءه في البناء على جيرانه المسلمين خلاف الصغار ، بل بحث في الفتح أنه إذا استعلى على المسلمين حل للإمام قتله ، ولا يخفى أن لفظ استعلى يشمل ما بالقول وما بالفعل وبهذا التقرير اندفع ما ذكره في الخيرية مخالفا لما قدمناه عنه من قوله : إن ما أفتى به قارئ الهداية من ظاهر المذهب ، أقوى مدركا للحديث الشريف الموجب لكونهم لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، فإن قارئ الهداية لم يفت به بل أفتى في الموضعين بخلافه كما سمعت . والحديث الشريف لا يفيد أن لهم ما لنا من العز والشرف ، بل في المعاملات [ ص: 212 ] من العقود ونحوها للأدلة الدالة على إلزامهم الصغار وعدم التمرد على المسلمين وصرح الشافعية بأن منعهم عن التعلي واجب ، وأن ذلك لحق الله تعالى وتعظيم دينه فلا يباح برضا الجار المسلم . ا هـ .

وقواعدنا لا تأباه فقد مر أنه يحرم تعظيمه ، ولا يخفى أن الرضا باستعلائه تعظيم له هذا ما ظهر لي في هذا المحل والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية