الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن ملك مملوكين صغيرين أحدهما ذو رحم محرم من الآخر لم يفرق بينهما ، وكذلك إن كان أحدهما كبيرا ) والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم { من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة } .

[ ص: 480 ] { ووهب النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله تعالى عنه غلامين أخوين صغيرين ثم قال له : ما فعل الغلامان ؟ فقال : بعت أحدهما ، فقال : أدرك أدرك ، ويروى : اردد اردد } ; ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير والكبير يتعاهده فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس ، والمنع من التعاهد وفيه ترك المرحمة على الصغار ، وقد أوعد عليه [ ص: 481 ] ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب ولا قريب غير محرم ، ولا يدخل فيه الزوجان حتى جاز التفريق بينهما ; لأن النص ورد بخلاف القياس فيقتصر على مورده ، ولا بد من اجتماعهما في ملكه [ ص: 482 ] لما ذكرنا ، حتى لو كان أحد الصغيرين له والآخر لغيره لا بأس ببيع واحد منهما ، ولو كان التفريق بحق مستحق [ ص: 483 ] لا بأس به كدفع أحدهما بالجناية وبيعه بالدين ورده بالعيب ; لأن المنظور إليه دفع الضرر عن غيره لا الإضرار به . قال ( فإن فرق كره له ذلك وجاز العقد ) وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يجوز في قرابة الولاد ويجوز في غيرها . وعنه أنه لا يجوز في جميع ذلك لما روينا ، فإن الأمر بالإدراك والرد لا يكون إلا في البيع الفاسد [ ص: 484 ] ولهما أن ركن البيع صدر من أهله في محله ، وإنما الكراهة لمعنى مجاور فشابه كراهة الاستيام ( وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما ) ; لأنه ليس في معنى ما ورد به النص ، وقد صح { أنه عليه الصلاة والسلام فرق بين مارية وسيرين [ ص: 485 ] وكانتا أمتين أختين } .

التالي السابق


( ومن ملك مملوكين ) بأي سبب فرض من أسباب الملك شراء أو هبة أو ميراثا ( صغيرين ) أو ( أحدهما وبينهما رحم محرمة لم يفرق بينهما ) سواء كان ببيع أو هبة أو وصية وذكره بصورة النفي مبالغة في المنع ، ولا ينظر في الوصية إلى جواز أن يتأخر الموت إلى انقضاء زمان التحريم ; لأن ذلك موهوم ( والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم ) فيما رواه الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( { من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة } ) وقال : حديث حسن غريب ; [ ص: 480 ] وصححه الحاكم على شرط مسلم ونظر فيه فإن فيه حيي بن عبد الله لم يخرج له في الصحيح واختلف فيه ، وللاختلاف فيه لم يصححه الترمذي ، ورواه أحمد بقصة .

وروى الحاكم في المستدرك عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ؟ { ملعون من فرق بين والدة وولدها } وقال : إسناده صحيح ، وفيه طليق بن محمد ، تارة يرويه عنه عن عمران بن حصين ، وتارة عنه عن أبي بردة ، وتارة عن طليق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، قال الدارقطني : وهو المحفوظ .

وقول ابن القطان لا يصح ; لأن طليقا لا يعرف حاله يريد خصوص ذلك وإلا فالحديث له طرق كثيرة وشهرة وألفاظ توجب صحة المعنى المشترك فيه ، وهو منع التفريق إلا أن في سوقها طولا علينا . وأما حديث علي رضي الله عنه فأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عيينة عن ميمون بن أبي شبيب عن { علي رضي الله عنه قال وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي ما فعل غلامك ؟ فأخبرته فقال : رده رده } قال الترمذي حديث حسن غريب .

وتعقبه أبو داود بأن ميمونا لم يدرك عليا وهو على طريقتهم من أن المرسل من أقسام الضعيف وعندنا ليس كذلك . وأخرجه الحاكم والدارقطني من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه قال : { قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي فأمرني ببيع أخوين فبعتهما وفرقت بينهما ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : أدركهما فارتجعهما وبعهما جميعا فلا تفرق بينهما } وصححه الحاكم على شرط الشيخين ، ونفى ابن القطان العيب عنه وقال : هو أولى ما اعتمد عليه في هذا الباب ، ومن طريق آخر رواه أحمد والبزار وفيه انقطاع ، ولا يضر على أصلنا على ما عرف .

قال المصنف ( ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير والكبير يتعاهده ) أي يصلح شأنه ( فكان في التفريق قطع الاستئناس والمنع من التعاهد وفيه ترك المرحمة على الصغار ، وقد أوعد عليه ) قال عليه الصلاة والسلام { من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا } ورواه ابن أبي شيبة عن عمرو بن العاص ، وكذا رواه البخاري في كتابه المفرد في الأدب .

وروى الطحاوي في مشكل الآثار : [ ص: 481 ] حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أنبأنا مالك بن أبي الخير الزيادي عن أبي قنبل عن عبادة بن الصامت عنه صلى الله عليه وسلم قال { ليس منا من لم يبجل كبيرنا ويرحم صغيرنا } وعلى نحو الأول رواه البخاري في كتابه المفرد في الأدب من حديث أبي هريرة . وقد روي من حديث عدة من الصحابة فهو معنى مشهور لا شك فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال المصنف ( ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح حتى لا يدخله محرم غير قريب ) كمحرم الرضاع وامرأة الأب ( ولا قريب غير محرم ) كابن العم ( ولا يدخل فيه الزوجان حتى جاز التفريق بينهما لأنه على خلاف القياس فيقتصر على مورده ) ومورده كان في المحرمية كما في الوالدة وولدها والأخوين .

فإن قيل : لو كان كذلك وجب أن لا يمنع التفريق بين الخال وابن أخته والخالة وبنت أختها ; لأن النص ما ورد إلا في الوالدة والأخوين . فالجواب أن القرابة المحرمة تثبت معنى دلاليا وهو المفهوم الموافق في عرف الشافعية للقطع بأن خصوص الوالدة غير معتبر لأن الوالد أيضا مثلها ففهم منه قرابة الولاد ثم جاء نص الأخوين ، فعلم أن لا قصر على الولاد بل القرابة المحرمة فثبت في الخال والخالة بالدلالة .

ومعلوم أن المحققين على عدم اشتراط الأولوية في الدلالة والمفهوم بقي إيراد نقض العلة بثمانية مسائل يجوز التفريق فيها مع وجود القرابة المحرمة ، منها الثلاثة التي ذكرها المصنف وهي : ما إذا كان التفريق بحق مستحق كدفع أحدهما بجناية ، أو استيلاء دين لزم الصغير كاستهلاكه مال الغير مع أنه في دفعه غير مجبور إذ له أن يدفع عنه الفداء والدين ويستبقيه ورده وحده بعيب بحصته فيرده وحده وإن كان عند أبي يوسف أنه يردهما جميعا أو يمسكهما كما في مصراعي الباب إذا وجد بأحدهما عيبا .

والرابعة أن يدبر أحدهما أو يستولد الأمة وحينئذ جاز بيعه الآخر والخامسة أن يكون لحربي [ ص: 482 ] مستأمن فباع أحدهما ، فللمسلم أن يشتريه مع أن المنع كما هو للبائع كذلك للمشتري ، والسادسة لو كانوا ثلاثة في ملكه أحدهم صغير حل بيع أحد الكبيرين مع أنه يصدق التفريق بين الصغير والكبير . والسابعة أنه يجوز أن يعتق أحدهما بمال وبلا مال ويكاتبه مع أنه حصول الفرقة بالإخراج عن ملكه . والثامنة لو كان الولد مراهقا [ ص: 483 ] فرضي بالبيع واختاره ورضيته أمه جاز بيعه ، فالجواب عن الثلاثة الأول ما أشار إليه المصنف بقوله : ( لأن المنظور إليه ) في منع التفريق ( دفع الضرر عن غيره ) وهو الصغير ( لا ) إلحاق ( الضرر به ) أي بالمالك المفهوم من قوله ومن ملك مملوكين فيما تقدم ، فلو منعنا التفريق كان إلزاما للضرر بالمالك ، والعلة هي ما ذكرنا من الرحم المحرمية غير المستلزم ضررا بالمالك ، فعند استلزامه تكون علة المنع منتفية عند من يمنع تخصيص العلة أو مخصصة باستلزام ضرره عند من يخصصها ، وبهذا يجاب عن الرابع إذ يلزم المالك الحجر عليه بمنعه من التصرف في ماله رأسا ، بخلاف ما قبل التدبير فإنه يمكنه بيعهما والانتفاع ببدلهما .

وعن الخامس بأن مفسدة التفريق عارضها هنا بتقدير عدمه مفسدة أعظم ، فإنه إن لم يشتره أحد يذهب به إلى دار الحرب ومفسدة كونه هناك يشب ويكتهل أعظم من ضرر التفريق على الصغير ; لأنه ضرر الدين والدنيا ، فالدين ظاهر والدنيا تعريضه على القتل والسبي ، والسبي هلاك .

ويجيء ما ذكرنا على المذهبين في تخصيص العلة وعدمه . وعن السادس بأن العلة ما هو مظنة الضياع والاستيحاش ، وقد بقي له من يقوم مقام الثالث . على أن في رواية عن أبي يوسف يمتنع بيع الثالث في الكفاية قد اجتمع في الصغير عدد من أقاربه لا يفرق بينه وبين واحد اختلفت جهة القرابة كالعم والخال ، أو اتحدت كخالين عند أبي يوسف ; لأنه يستوحش بفراق الكل ، وعن السابع بأن العتق والكتابة عين الجمع لا التفريق فإن المعتق والمكاتب يزول الحجر عنه فيتمكن من الكون مع أخيه حيثما كان وأينما صار ، وعن الثامن بانتفاء الضرر عنهما لما اختارا ذلك فقد تحققنا خلو الوصف الظاهر المنضبط عن الحكمة فلا يشرع معه الحكم فآل الكل إلى عدم العلة في الحقيقة .

ومن صور جواز التفريق ما في المبسوط إذا كان للذمي عبد له امرأة ولدت منه فأسلم العبد وولده صغير فإنه يجبر الذمي على بيع العبد وابنه وإن كان تفريقا بينه وبين أمه ; لأنه يصير مسلما بإسلام أبيه فهذا تفريق بحق ( قوله فإن فرق كره ذلك وجاز العقد ) إذا كان المالك مسلما حرا أو مكاتبا أو مأذونا ، أما إذا كان كافرا فلا ; لأنهم غير مخاطبين بالشرائع .

والوجه أنه إن كان التفريق في ملتهم حلالا لا يتعرض لهم إلا إن كان بيعهم من مسلم فيمتنع على المسلم وإن كان ممتنعا في ملتهم لا يجوز ( وعن أبي يوسف رحمه الله لا يجوز في قرابة الولاد ويجوز في غيرها ، وعنه أنه لا يجوز في جميع ذلك ) أي قرابة الولاد وغيرها وهو قول أحمد لما روينا من حديث علي رضي الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم أدركهما وارتجعهما فإن الأمر بالإدراك والارتجاع [ ص: 484 ] لا يكون إلا في البيع الفاسد ( ولهما أن ركن البيع صدر من أهله في محله والكراهة لمعنى مجاور ) والنهي للمجاورة لا يوجب الفساد بخلافه لوصف لازم ( فشابه كراهة الاستيام ) على سوم أخيه ، وحينئذ يجب تأويل الأمر بالإدراك والارتجاع على طلب الإقالة مع ظهور أن يقيله رغبة في ثواب الإقالة أو أن يبيع الأخ لآخر منه .

واعلم أن مدة منع التفريق إنما تمتد إلى بلوغ الصغير بالاحتلام أو بالحيض . وذكر فيه حديثا في المبسوط عنه صلى الله عليه وسلم { لا تجمعوا عليهم بين السبي والتفريق ما لم يبلغ الغلام والجارية } وعن عبادة بن الصامت عنه عليه الصلاة والسلام { لا تفرقوا بين الأم وولدها ، فقيل إلى متى ؟ فقال : إلى أن يبلغ الغلام وتحيض الجارية } رفعه في المبسوط وهو قول الشافعي .

وفي أظهر قوليه إلى زمان التمييز سبع أو ثمان بالتقريب ، وإلى زمان سقوط الأسنان ، والحديث المذكور ذكره الحاكم وصححه وخطأه صاحب التنقيح ، وقال : الأشبه أنه موضوع ، وسببه أن في سنده عبد الله بن عمرو بن حسان ، قال الذهبي : كذاب ، وقيل رماه ابن المديني بالكذب ، غير أن الحكم المذكور وهو التفريق بعد البلوغ حكم ثابت شرعا ، وقال بعض مشايخنا : إذا راهقا ورضيا بالتفريق فلا بأس به ; لأنهما من أهل النظر لأنفسهما ، وربما يريان المصلحة في ذلك ( قوله وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما ; لأنه ليس في معنى ما ورد به النص ) ليثبت فيه المنع إلحاقا بالدلالة إذ كان أصله على خلاف القياس ( وقد صح { أنه صلى الله عليه وسلم فرق بين مارية وسيرين } ) بالسين المهملة ، ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب .

قال البزار بعد أن غلطه للحديث طريق ذكرها ، لكن روي هذا الحديث عن بشير بن المهاجر بن حاتم بن إسماعيل ودلهم بن دهثم انتهى وبشير عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : { أهدى المقوقس القبطي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين وبغلة كان يركبها ، فأما إحدى الجاريتين فتسراها فولدت له إبراهيم عليه السلام وهي مارية أم إبراهيم . وأما الأخرى فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت وهي أم عبد الرحمن بن حسان }

وذكر أن هذا الحديث في صحيح ابن خزيمة ، وأخرجه البيهقي بسند آخر في دلائل النبوة مرسلا { أنه صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ، إلى أن قال : وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة مسروجة وجاريتين إحداهما أم إبراهيم ، وأما الأخرى فوهبها عليه الصلاة والسلام لجهيم بن قيس العبدي وهي أم زكريا بن جهيم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر } وهذا مخالف لما تقدم .

وجمع بينهما بحديث آخر رواه البيهقي بسنده إلى حاطب قال : { بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 485 ] إلى المقوقس ملك الإسكندرية فجئت بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلني في منزله فأقمت عنده ثم بعث إلي وجمع بطارقته ، إلى أن قال : وهذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد ، فأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوار منهن أم إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم : واحدة وهبها لأبي جهيم بن حذيفة العدوي ، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت } فهذا يعلم من ألفاظ هذا الحديث وطرقه ، وليس في شيء منها أن الجاريتين كانتا أختين وهو موضع الاستدلال .

لا جرم ذكر أبو الربيع سليمان الكلاعي في كتاب الاكتفاء عن الواقدي بإسناد له : أن المقوقس أرسل إلى حاطب ليلة إلى أن قال : فارجع إلى صاحبك فقد أمرت له بهدايا وجاريتين أختين فارهتين وبغلة من مراكبي وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا من لين وغير ذلك ، وأمرت لك بمائة دينار وخمسة أثواب فارحل من عندي ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا فهذا مع توثيق الواقدي دليل على المطلوب ، وقد أسلفنا توثيقه ، وكرر ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب ، ونقله أحمد بن عبد الله الطبري عن أبي عبيدة في خاتمة مناقب أمهات المؤمنين فالله أعلم بذلك ، وإنما بوب أبو داود للتفريق بين المذكورات للحديث الذي في مسلم عن سلمة بن الأكوع قال : { خرجنا مع أبي بكر فغزونا فنارة ، إلى أن قال : فجئت بهم إلى أبي بكر وفيهما امرأة معها ابنة لها من أحسن العرب ، فنفلني أبو بكر ابنتها فقدمت المدينة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : يا سلمة هب لي المرأة ، فقلت هي لك ، ففدى بها أسارى مكة } انتهى مختصرا فهذا التفريق وإن كان من فعل أبي بكر لكن لا شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه واستوهب الجارية ولم يردها إلى أمها بل أبعد دارها حين فدى بها ، فهذا والله أعلم هو الدليل على التفريق بين الكبيرين ، والله أعلم .

[ فروع ]

إذا كان مع الصغير أبواه لا يبع واحدا منهم ولو كان معه أم وأخ أو أم وعمة أو خالة أو أخ جاز بيع من سوى الأم ، وروى هشام عن محمد أنهم لا يباعون إلا معا اعتبارا لاختلاف الجهة ، والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية ; لأن شفقة الأم تغني عمن سواها ولذا كانت أحق بالحضانة من غيرها ، فهذه الصورة مستثناة من اختلاف الجهة ، والجدة كالأم فلو كان معه جدة وعمة وخالة جاز بيع العمة والخالة ، ولو كان معه عمة وخالة لم يباعوا إلا معا لاختلاف الجهة مع اتحاد الدرجة ، ولو كان معه أخوان أو إخوة كبار ، في رواية الأمالي لا يباع واحد منهم ، والصحيح أنه يجوز بيع من سوى واحد منهم وهو الاستحسان ; لأن الشفقة أمر باطني لا يوقف عليه فيعتبر السبب ولا يعتبر الأبعد مع الأقرب .

وعند الاتحاد في الدرجة والجهة أحدهما يغني ، وكذا لو ملك ستة إخوة ثلاثة كبار وثلاثة صغار فباع مع كل صغير كبيرا جاز استحسانا ، فلو كان معه أخت شقيقة وأخت لأب وأخت لأم باع غير الشقيقة ; ولو ادعاه رجلان فصارا أبوين له ثم ملكوا جملة القياس أن يباع أحدهما لاتحاد جهتهما ، وفي الاستحسان لا يباع ; لأن الأب في الحقيقة واحد فاحتمل كونه الذي يبيع فيمتنع احتياطا فصار الأصل أنه إذا كان معه عدد أحدهم أبعد جاز بيعه وإن كانوا في درجة ، فإن كانوا من جنسين مختلفين كالأب والأم والخالة والعمة لا يفرق ، ولكن يباع الكل أو يمسك الكل ، وإن كانوا من جنس واحد كالأخوين والعمين [ ص: 486 ] والخالين جاز أن يمسك مع الصغير أحدهما ويبيع ما سواه ; ومثل الخالة والعمة أخ لأب وأخ لأم ; والله الموفق .




الخدمات العلمية