الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن ) انقطع لدون أقله تتوضأ وتصلي في آخر الوقت ، وإن ( لأقله ) فإن لدون عادتها لم يحل ، وتغتسل وتصلي وتصوم احتياطا ; وإن لعادتها ، فإن كتابية حل في الحال وإلا ( لا ) يحل ( حتى تغتسل ) أو تتيمم بشرطه [ ص: 295 ] ( أو يمضي عليها زمن يسع الغسل ) ولبس الثياب ( والتحريمة ) يعني من آخر وقت الصلاة لتعليلهم بوجوبها في ذمتها ، حتى لو طهرت في وقت العيد لا بد أن يمضي وقت الظهر كما في السراج ، وهل تعتبر التحريمة في الصوم ؟ [ ص: 296 ] الأصح لا ، وهي من الطهر مطلقا ، وكذا الغسل لو لأكثره وإلا فمن الحيض [ ص: 297 ] فتقضي إن بقي بعد الغسل والتحريمة ولو لعشرة فقدر التحريمة فقط لئلا تزيد أيامه على عشرة فليحفظ

التالي السابق


( قوله لدون أقله ) أي أقل الحيض وهو ثلاثة أيام ( قوله في آخر الوقت ) أي وجوبا بركوي ، والمراد آخر الوقت المستحب دون المكروه كما هو ظاهر سياق كلام الدرر وصدر الشريعة . قال ط : وأهمل الشارح حكم الجماع ، ويظهر عدم حله بدليل مسألة الانقطاع على الأقل وهو دون العادة .

قلت : قد يفرق بين تحقق الحيض وعدمه ، وانظر ما نذكره قبيل قوله والنفاس لأم التوأمين ( قوله وإن ولأقله ) اللام بمعنى بعد ط ( قوله لم يحل ) أي الوطء وإن اغتسلت ; لأن العود في العادة غالب بحر ( قوله وتغتسل وتصلي ) أي في آخر الوقت المستحب ، وتأخيره إليه واجب هنا أما في صورة الانقطاع لتمام العادة فإنه مستحب كما في النهاية والبدائع وغيرهما ( قوله احتياطا ) علة للأفعال الثلاثة ( قوله وإن لعادتها ) وكذا لو كانت مبتدأة درر ( قوله حل في الحال ) ; لأنه لا اغتسال عليها لعدم الخطاب ، فإن أسلمت بعد الانقطاع لا تتغير الأحكام ، وتمامه في البحر ( قوله حتى تغتسل ) قد علمت أنه يستحب لها تأخيره إلى آخر الوقت المستحب دون المكروه .

قال في المسبوط : نص عليه محمد في الأصل . قال : إذا انقطع في وقت العشاء تؤخر إلى وقت يمكنها أن تغتسل فيه وتصلي قبل انتصاف الليل ، وما بعد نصف الليل مكروه بحر ( قوله بشرطه ) هو فقد الماء والصلاة به على صحيح كما يعلم من النهر وغيره ، وبهذا ظهر أن المراد التيمم الكامل المبيح للصلاة مع الصلاة به أيضا ، ولعل وجه شرطهم [ ص: 295 ] الصلاة به هو أن من شروط التيمم عدم الحيض ، فإذا صلت به وحكم الشرع بصحة صلاتها يكون حكما بصحة تيممها وبأنها تخرج به من الحيض ، كما يحكم بخروجها من الحيض وبقائها بمنزلة الجنب فيما إذا انقطع لتمام العشرة أو صارت الصلاة دينا في ذمتها لحكم الشرع عليها بحكم من أحكام الطاهرات ، ولهذا يحل لزوجها أن يقربها وإن لم تغتسل كما يأتي تقريره .

وقد ظهر بما قررناه صحة ما ذكره في الظهيرية من أنه يجوز للحائض التيمم لصلاة الجنازة والعيد إذا طهرت من الحيض إذا كان أيام حيضها عشرة وإن كان أقل فلا . ا هـ . فشرط لجواز تيممها لصلاة الجنازة أو العيد انقطاع الحيض لتمام العشرة ; لأن المراد بهذا التيمم هو التيمم الناقص الذي يكون عند وجود الماء لخوف فوت صلاة تفوت لا إلى بدل ، وإنما كان ناقصا ; لأنه لا يصلى به الفرض ، بل يبطل بعد الفراغ من تلك الصلاة ، حتى لو حضرت جنازة أخرى لا يصح الصلاة عليها بهذا التيمم على ما مر تقريره في محله ، وإذا كان هذا التيمم ناقصا فلا تخرج به الحائض من الحيض لما علمت من اعتبار التيمم بشرطه مع الصلاة معه .

وأما إذا انقطع حيضها لتمام العشرة فيجوز تيممها لصلاة الجنازة أو العيد ; لأنها خرجت من الحيض بالانقطاع المذكور ، فلو انقطع لأقل من العشرة لا يجوز لها أن تتيمم للجنازة أو العيد مع وجود الماء ، ولا تصح الصلاة به ; لأنه ناقص لا تخرج به من الحيض ، ومن شروط صحة التيمم عدم المنافي ، والحيض مناف لصحته .

أما إذا انقطع لتمام العشرة فقد خرجت من الحيض وصارت كالجنب فيصح تيممها المذكور كما يصح من الجنب ، فكلام الظهيرية صحيح لا غبار عليه كما أوضحناه هنا . وفي باب التيمم ، لكن ينبغي تقييد قوله وإلا فلا بما إذا انقطع لدون العشرة ولم تصر الصلاة دينا في ذمتها إذ لو انقطع لدون العشرة ولتمام عادتها ومضى عليها وقت صلاة خرجت من الحيض ، وجاز لزوجها قربانها ، فينبغي صحة تيممها للجنازة تأمل .

( قوله يسع الغسل ) أي مع مقدماته كالاستقاء وخلع الثوب والتستر عن الأعين . وفي شرح البزدوي : ولم يذكروا أن المراد به الغسل المسنون أو الفرض ; والظاهر الفرض ; لأنه يثبت به رجحان جانب الطهارة . ا هـ كذا في شرح التحرير لابن أمير حاج ( قوله والتحريمة ) وهي " الله " عند أبي حنيفة و " الله أكبر " عند أبي يوسف ، والفتوى على الأول كما في المضمرات قهستاني ( قوله يعني من آخر وقت الصلاة إلخ ) اعلم أنه إذا انقطع دم الحائض لأقل من عشرة وكان لتمام عادتها فإنه لا يحل وطؤها إلا بعد الاغتسال أو التيمم بشرطه كما مر ; لأنها صارت طاهرة حقيقة أو بعد أن تصير الصلاة دينا في ذمتها ، وذلك بأن ينقطع ويمضي عليها أدنى وقت صلاة من آخره ، وهو قدر ما يسع الغسل واللبس والتحريمة ، سواء كان الانقطاع قبل الوقت أو في أوله أو قبيل آخره بهذا القدر ; فإذا انقطع قبل الظهر مثلا أو في أول وقته لا يحل وطؤها حتى يدخل وقت العصر ; لأنها لما مضى عليها من آخر الوقت ذلك القدر صارت الصلاة دينا في ذمتها ; لأن المعتبر في الوجوب آخر الوقت ، وإذا صارت الصلاة دينا في ذمتها صارت طاهرة حكما ; لأنها لا تجب في الذمة إلا بعد الحكم عليها بالطهارة ، وكذا لو انقطع في آخره وكان بين الانقطاع وبين وقت العصر ذلك القدر فله وطؤها بعد دخول وقت العصر لما قلنا . أما إذا كان بينهما دون ذلك فلا يحل إلا بعد الغروب لصيرورة صلاة العصر دينا في ذمتها دون صلاة الظهر ; لأنها لم تدرك من وقتها ما يمكنها الشروع فيه .

فإذا علمت ذلك ظهر لك أن عبارة المصنف موهمة وليست على إطلاقها ; لأنها توهم أنه يحل بمضي ذلك [ ص: 296 ] القدر سواء كان في وقت صلاة أو في وقت مهمل وهو ما بعد الطلوع إلى الزوال ، وسواء كان في أول الوقت أو في آخره مع أنه لا عبرة للوقت المهمل ولا لأول وقت الصلاة كما صرح به ابن الكمال ودل عليه التعليل بوجوبها دينا في ذمتها ، فإنها لا تجب كذلك إلا بخروج وقتها خلافا لما غلظ فيه بعضهم كما نبه عليه في البدائع و البحر ، فلذا قال الشارح : يعني من آخر وقت الصلاة للاحتراز عنهما ، وأتى بالعناية التي يؤتى بها في موضع الخفاء لما ذكرنا من الإيهام ، ولو عبر المصنف كما عبر البركوي بقوله أو تصير الصلاة دينا في ذمتها لكان أخصر وأظهر ، ولكنه قصد التنبيه على ما به تصير الصلاة دينا في ذمتها ، وهو مضي هذا الزمان من آخر الوقت ، ثم هذا كله إذا لم يتم أكثر المدة قبل الغسل كما في البركوية ، فلو تم لها عشرة أيام قبل خروج الوقت ، والغسل لا يحتاج إلى مضي هذا الزمن .

[ تنبيه ] إنما حل وطؤها بعد الحكم عليها بالطهارة بصيرورة الصلاة دينا في ذمتها ; لأنها صارت كالجنب وخرجت من الحيض حكما ، وبه يعلم أنه يجوز لها قراءة القرآن كما نقله ط عن البرجندي ; بخلاف ما إذا اغتسلت ; وحيث صارت كالجنب فينبغي أن يجوز لها التيمم لصلاة جنازة أو عيد خافت فوتها كما يجوز ذلك للجنب كما قررناه آنفا ( قوله الأصح لا ) أي فلو انقطع قبل الصبح في رمضان بقدر ما يسع الغسل فقط لزمها صوم ذلك اليوم ، ولا يلزمها قضاء العشاء ما لم تدرك قدر تحريمة الصلاة أيضا ، وهذا ما صححه في المجتبى .

ونقل بعده في البحر عن التوشيح والسراج أنه لا يجزيها صوم ذلك اليوم إذا لم يبق من الوقت قدر الاغتسال والتحريمة ; لأنه لا يحكم بطهارتها إلا بهذا ، وإن بقي قدرهما يجزيها ; لأن العشاء صارت دينا عليها ، وأنه من حكم الطاهرات فحكم بطهارتها ضرورة . ا هـ ونحوه في الزيلعي . وقال في البحر : وهذا هو الحق فيما يظهر . ا هـ . قال في النهر : وفيه نظر ، ولم يبين وجهه .

أقول : ولعله أن الصوم يمكن إنشاؤه في النهار ، فلا يتوقف وجوبه على إدراكها أكثر مما يزيد على قدر الغسل ، بخلاف الصلاة لكن فيه أنه لو أجزأها الصوم بمجرد إدراك قدر الغسل لزم أن يحكم بطهارتها من الحيض ; لأن الصوم لا يجزئ من الحائض ، ولزم أن يحل وطؤها لو كانا مسافرين في رمضان مع أنه خلاف ما أطبقوا عليه ، من أنه لا يحل ما لم تجب الصلاة دينا في ذمتها ، ولا تجب إلا بإدراك الغسل والتحريمة ; فالذي يظهر ما قال في البحر أنه الحق . ثم لا يخفى أن لبس الثياب مثل التحريمة إذ لا تجب الصلاة بدونه كما مر ، لكن هذا على القول باشتراط التحريمة لا على ما صححه الشارح تبعا للمجتبى فافهم ( قوله وهي ) أي التحريمة : أي زمانها من الطهر : أي من زمنه ( قوله مطلقا ) أي سواء كان الانقطاع لأكثر الحيض أو لدون ذلك ح ( قوله وكذا الغسل ) أي الغسل مثل التحريمة في أنه من الطهر لو الانقطاع لأكثره أو لأقله فلا ، بل هو من الحيض ، لكن هذا في حق القربان ، وانقطاع الرجعة وجواز التزوج بآخر لا في حق جميع الأحكام ; ألا ترى أنها إذا طهرت عقب غيبوبة الشفق ثم اغتسلت عند الفجر الكاذب ثم رأت الدم في الليلة السادسة عشر بعد زوال الشفق فهو طهر تام وإن لم يتم خمسة عشر من وقت الاغتسال . ا هـ بحر عن المجتبى : أي لو انقطع دمها لتمام العشرة حل لزوجها قربانها قبل الغسل ; لأن زمن الغسل حينئذ من الطهر فصار واطئا في الطهر ، وكذا تنقطع الرجعة بمجرد طهرها بتمام العشرة في الحيضة الثالثة لو كانت مطلقة طلاقا رجعيا . ويجوز لها التزوج بآخر ; لأنها بانت من الأول بانقضاء العدة .

وأما لو كان الانقطاع لدون العشرة ولتمام عادتها فلا تثبت هذه الأحكام ما لم تغتسل ; لأن زمن الغسل حينئذ من الحيض ، فلو وطئها زوجها قبل الغسل كان واطئا في زمن الحيض وكذا لا تنقضي عدتها ما لم تغتسل ، [ ص: 297 ] وأما في حق بقية الأحكام فلا يشترط الغسل ، ففي مثل الصلاة أو الصوم يجب عليها وإن لم تغتسل لكن بشرط إدراك زمن التحريمة ( قوله فتقضي إلخ ) أي إذا علمت أن زمن التحريمة من الطهر مطلقا وأن زمن الغسل من الحيض في الانقطاع لأقله فتقضي الصلاة إن بقي قدر الغسل والتحريمة ، فلا يكفي إدراك قدر الغسل فقط ، بل لا بد من إدراك قدر التحريمة أيضا : أي ولبس الثياب كما مر ( قوله ولو لعشرة إلخ ) أي ولو انقطع لعشرة ، فتقضي الصلاة إن بقي قدر التحريمة فقط . والحاصل أن زمن الغسل من الحيض لو انقطع لأقله ; لأنها إنما تطهر بعد الغسل ، فإذا أدركت من آخر الوقت قدر ما يسع الغسل فقط لم يجب عليها قضاء تلك الصلاة ; لأنها لم تخرج من الحيض في الوقت ، بخلاف ما إذا كان يسع التحريمة أيضا ; لأن التحريمة من الطهر فيجب القضاء . وأما إذا انقطع لأكثره فإنها تخرج من الحيض بمجرد ذلك ، فيكون زمن الغسل من الطهر وإلا لزم أن تزيد مدة الحيض على العشرة ، فإذا أدركت من آخر الوقت قدر التحريمة وجب القضاء وإن لم تتمكن من الغسل ; لأنها أدركت بعد الخروج من الحيض جزءا من الوقت ، وإنما حل الوطء في الانقطاع لأكثره مطلقا لتوقفه على الخروج من الحيض وقد وجد ، بخلاف وجوب الصلاة لتوقفه على إدراك جزء آخر بعده .




الخدمات العلمية