الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ درس ] ( فصل ) في أحكام الخيار ، وهو قسمان خيار ترو أي تأمل ونظر للبائعين ، أو لغيرهما وخيار نقيصة ، وهو ما كان موجبه نقصا في المبيع من عيب ، أو استحقاق ويسمى الحكمي ; لأنه جر إليه الحكم وأشار للأول بقوله ( إنما الخيار بشرط ) أي لا يثبت إلا بالشرط أي لا بالمجلس فإنه ليس معمولا به عندنا ; لأن عمل أهل المدينة على خلافه ، وإن ورد به الحديث الصحيح ولما كانت مدة الخيار تختلف بخلاف المبيع بينها بقوله ومدته ( كشهر ) أي شهر وستة أيام ( في دار ) ومثلها [ ص: 92 ] بقية أنواع العقار ( ولا يسكن ) أي لا يجوز أن يسكن بأهله كثيرا في مدته سواء كان بشرط أم لا لاختبار حالها أم لا ويفسد البيع باشتراطه هذا إذا كان بلا أجر ، وإلا جاز في الأربعة فهذه ثمانية ، فإن سكن يسيرا لغير اختبارها جاز بشرط وبغيره إن كان بأجرة ، وإلا فلا فيهما ويفسد البيع في صورة الشرط ولاختبارها جاز في الأربع فهذه ثمانية أيضا فالممنوع ست ، الفاسد منها ثلاثة ( وكجمعة في رقيق ) وأدخلت الكاف ثلاثة أيام فالجملة عشرة ( واستخدمه ) أي جاز استخدامه بما يحصل به اختبار حاله فقط إن كان من رقيق الخدمة ، وأن تكون يسيرة لا ثمن لها ، فإن كان لا لاختبار حاله ، أو كثيرة لم تجز فيرجع الاستخدام لسكنى الدار ، وكذا لبس الثوب وركوب الدابة ، واستعمالها تجري فيه الست عشرة صورة المتقدمة فقول المصنف ولا يسكن وقوله واستخدمه يوهم خلاف المراد . .

التالي السابق


( فصل إنما الخيار بشرط ) ( قوله عندنا ) أي خلافا للشافعية فإنه معمول به عندهم ووافقهم ابن حبيب من أئمتنا والسيوري وعبد الحميد الصائغ وعلى المشهور من عدم العمل به فاشتراطه مفسد للبيع ; لأنه من المدة المجهولة الآتية ( قوله ، وإن ورد به الحديث ) أي ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا } وهذا الحديث ، وإن كان صحيحا لكن صحته لا تنافي أنه خبر آحاد وعمل أهل المدينة مقدم عليه عند مالك وذلك ; لأن عمل أهل المدينة كالمتواتر ; لأنه من قبيل الإجماعيات ، والمتواتر يفيد القطع بخلاف خبر الآحاد فإنما يفيد الظن ونقل ابن يونس عن أشهب أن الحديث منسوخ وبعض المالكية حمل التفرق في الحديث على تفرق الأقوال لا على تفرق الأبدان كما حمل الشافعي ( قوله خيار ترو ) أي ويقال له : خيار شرطي ، وهو الذي ينصرف له لفظ الخيار عند الإطلاق ( قوله ولما كانت مدة الخيار تختلف إلخ ) أي لما كانت مدة الخيار تختلف عندنا إلخ أي خلافا لأبي حنيفة والشافعي القائلين بأن مدة الخيار ثلاثة أيام في كل شيء ( قوله كشهر ) أي أنه إذا شرط الخيار في دار فإن مدته لا تكون أكثر من شهر وستة أيام فلا ينافي أنها قد تكون أقل من شهر وأشار الشارح بتقدير مدته إلى أن قول المصنف كشهر مثال لمقدر ويصح أن يكون من [ ص: 92 ] مدخول الحصر ، وهو أحسن ويكون رادا بالأول على عبد الحميد وابن حبيب وبالثاني على الشافعي وأبي حنيفة ( قوله بقية أنواع العقار ) أي كأرض وضيعة وحانوت وخان وغير ذلك ، ثم إن ظاهر المصنف أن أمد الخيار في العقار شهر ، وما ألحق به سواء كان الخيار لاختبار حال المبيع ، أو للتروي في الثمن ، وهو ظاهر كلام أهل المذهب ، وقيل : إنه قاصر على الأول وأن الثاني ثلاثة أيام ، وهو ما نقله ابن عرفة عن التونسي ، وكذا يقال فيما يأتي في الرقيق والدابة والثوب ( قوله سواء كان ) أي الإسكان وليس الضمير للخيار ( قوله ويفسد البيع باشتراطه ) أي كان للاختبار أم لا ( قوله في الأربعة ) أي كان بشرط أم لا لاختبار حالها أم لا ( قوله ، وإلا ) أي ، وإلا يكن بأجرة فلا يجوز فيهما أي كان الإسكان بشرط ، أو بغيره ( قوله في الأربع ) أي سواء كان بشرط ، أو بغيره كان بأجرة ، أو كان بغيرها ( قوله فهذه ) ثمانية أيضا أي فيكون صور سكنى المشتري في مدة الخيار ست عشرة صورة ، وحاصلها أنه إما أن يسكن كثيرا ، أو يسيرا وفي كل إما أن تكون السكنى بشرط ، أو بغيره وفي كل من هذه الأربعة إما أن تكون لاختبار حالها أم لا وفي كل من هذه الثمانية إما أن تكون السكنى بأجرة أم لا فهذه ست عشرة صورة علم حكمها من الشارح ، وحاصل ما ذكره الشارح أنه إن سكن بأجر جاز مطلقا في صورها الثماني كانت بشرط ، أو بغيره كانت كثيرة ، أو يسيرة للاختبار ، أو لغيره ، وإن سكن بغير أجر منع في الكثير في صوره الأربع بشرط وبغيره للاختبار وغيره ومنع في اليسير في صورتي غير الاختبار أي ما إذا سكن لغير الاختبار بشرط وبغيره وجاز في صورتي الاختبار .

( قوله فالممنوع ست ) أي ، وهي ما إذا كان الإسكان كثيرا بشرط ، أو بغيره لاختبار حالها أم لا وكان ذلك بلا أجرة ، وكذا إن كان يسيرا لغير اختبار كان بشرط ، أو بغيره ، وهو بلا أجرة ( قوله الفاسد منها ثلاثة ) أي ، وهي ما إذا كان الإسكان كثيرا بشرط من غير أجرة سواء كان لاختبار حالها أم لا ، أو كان يسيرا بلا أجر لغير اختبار ( قوله وكجمعة في رقيق ) فلو بيعت دار به أي بالرقيق وكل بالخيار فالظاهر أن الخيار إن قصد به كل منهما اعتبر أمد الأبعد منهما ، وإن قصد به أحدهما اعتبر أمد المقصود منهما بالخيار انظر بن ( قوله أي جاز استخدامه ) أي في مدة الخيار أي جاز استخدام المشتري له ( قوله ، أو كثيرة ) أي بغير أجرة ( قوله فيرجع الاستخدام لسكنى الدار ) أي في جريان الست عشرة صورة فيه وحاصلها أن الاستخدام إما أن يكون كثيرا أم لا ، وفي كل إما بشرط أم لا وفي كل من الأربعة إما لاختبار حاله أم لا ، وفي كل من هذه الثمانية إما بأجرة أم لا فهذه ست عشرة صورة وحاصل حكمها أنه إذا كان بأجرة جاز في ثمانية ، وإن كان بغير أجرة ، فإن كان يسيرا لاختبار حاله جاز بشرط وبدونه ، وإلا منع فالممنوع ست والفاسد منها ثلاث ، ولو قال المصنف ولا يسكن مجانا ، وإلا جاز كاختبارها في اليسير والاستخدام في الرقيق كذلك لكان حسنا ( قوله يوهم خلاف المراد ) أي وذلك ; لأن وظاهره أن السكنى ممنوعة في الصور كلها والاستخدام جائز في الصور كلها هذا خلاف المراد . .




الخدمات العلمية